واقع الثقافة الوطنية

بي دي ان |

13 مارس 2022 الساعة 11:49م

في يوم الثقافة الوطنية، الذي صادف امس الاحد الموافق الثالث عشر من اذار / مارس من كل عام، الذي اختير بعناية متوافقا مع تاريخ ميلاد سيد الكلمة، وحارس الرؤية، ومجدد الشعر العربي الحديث، ورمز الثقافة الوطنية الشاعر الوطني والقومي والإنساني محمود درويش. ولم يأت الاختيار ليوم الثقافة تكريما وتعظيما ووفاءا للمبدع ومتنبي العصر الحديث بالصدفة، ولا عن جهل، وانما لان ابن البروة توج بجدارة رمزا للثقافة الوطنية، ليس لانه اول المثقفين الفلسطينيين، ولا لانه اخرهم، ولا لان رموز واعمدة الثقافة الوطنية تاريخيا وحاضرا لم يكونوا جدرين باللقب، ولكن لان الراحل الفذ محمود درويش تفوق على ذاته، وعلى اقرانه في الصعود بمجد ومكانة الثقافة الوطنية عاليا، وحلق كالنسر شامخا بها ومعها، نهل من ينابيعها، وضخ فيها روحه كشلال دافق، حتى بلغت ذروة وقمة لم تعهدها قبل حضوره الطاغي.
غياب رائد الكلمة، وناظم القصيدة وعدد من الرواد المبدعين ترك فراغا نسبيا في المشهد الثقافي الفلسطيني، وفجوة واسعة بين ما كانت عليه سابقا، وما هي عليه اليوم، حتى بدت الثقافة الوطنية كأنها تعيش لحظة من المراوحة، رغم ازدياد اعداد المثقفين والمبدعين في حقول الإنتاج المعرفي المختلفة في الوطن وداخل الداخل والشتات.
وهذا الاستنتاج لا يعني الانتقاص من مكانة وجمالية المنتج في الشعر والرواية والفن بصنوفه واشكاله ومسمياته المختلفة. الا ان معيار عظمة وتألق الثقافة لا يقاس بالكم، وزيادة عدد المبدعين، ولا بعدد الجوائز التي حصل عليها بعض المثقفين، وانما في الكيف، في المضمون، في سطوع رموز جديدة من نساء ورجال الجبهة المتقدمة في المواجهة مع المستعمر ومع التكفيريين والتخوينيين والتخلف والعادات والتقاليد البالية، ليعيدوا الاعتبار لجبهة الثقافة التي تعتبر خط الدفاع الأهم عن الرواية الوطنية الفلسطينية.
وعلى ما يبدو ان الواقع الموضوعي المعقد والصعب محليا وعربيا وإقليميا ودوليا ترك ندوبا على المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي. مع ان الثقافة دائما وابدا تتجلى في لحظات الجزر، والحصار واشتداد الازمات، ووقت الشدائد والتراجع، مما يدفع المبدعون من مختلف مدارس وفرق الإنتاج المعرفي والفن بتلاوينه المتعددة للنهوض من بين انقاض اللحظة القاتمة ليسنوا اقلامهم واوتارهم وريشهم والوانهم وكاميراتهم ومسارحهم ليشكلوا المتراس والحاجز الحامي للهوية والشخصية والثقافة الوطنية، ويرفعوا من قيم الثقافة التنويرية، ويبعدوا شبح الاستعمار والظلامية والظلاميين من المشهد الوطني والقومي.
حتى معارض الكتاب في الوطن العربي تراجعت مكانتها وحضورها، ولم تعد كما كانت فيما مضى، وقد يكون أيضا للتطورات السياسية العامة دور في التأثير عليها، وأيضا اتساع وازدياد دور مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود الانترنت ساهم إلى حد ما على أهمية المعارض. وهذا لسان العديد من الناشرين الفلسطينيين والعرب. ولو اخذت معرض بيروت للكتاب القائم الان في العاصمة اللبنانية نموذجا، وباعتراف بعض القائمين عليه، والمشاركين فيه، ستجد انك امام معرض لا يشبه معرض بيروت للكتاب المعتادة عليه الجماهير اللبنانية، فهناك غياب كبير لدور النشر العربية وللكتاب الإبداعي. رغم ان المعرض لم يعقد منذ ثلاث سنوات، ويسيطر عليه تقريبا لونا دينيا واحدا.
لم يكن الربط بين حالة المراوحة في مكانة الثقافة الوطنية، وواقع معارض الكتاب في الوطن العربي ترفا، او اسقاطا عفويا، انما لاؤكد ان التراجع في الحالة الفلسطينية ليس معزولا عن واقع الحال العربي العام. لا سيما وان هناك ترابطا جدليا بين الذات الوطنية والنحن القومية. ويخطىء من يفصل بينهما فصلا ميكانيا.
ورغم هذا الواقع غير الإيجابي بشكل عام، الا ان القناعة راسخة بان الثقافة الوطنية والقومية ستتعافى من الهنات والارباكات، والخروج اقوى في المستقبل المنظور، لتعيد للإنتاج المعرفي الإبداعي بمختلف مشاربه ومدارسه وفرقه القه وحضوره وجماليته، وسيزهر زهر اللوز وشقائق النعمان وربيع الثقافة الفلسطينية، كما يليق بفلسطين وثقافتها وهويتها الوطنية، وكل عام والثقافة الوطنية والقومية بخير. ولروح رمز ثقافتنا الوطنية الف سلام.
ملاحظة سريعة: اسم الإعلامي الاخواني في مقال الامس "سقوط اخواني غير مسبوق، هو محمد الملواني، وليس فيصل مشهور، وهو مقيم في تركيا، حصل التباس بسبب وجود اسم فيصل على شريط الفيديو. وجبت الملاحظة.