دور العرب في الحرب

بي دي ان |

12 مارس 2022 الساعة 04:19ص

في المحطات السياسية المفصلية وانعطافات التاريخ الناجمة عن صراع الأقطاب الدولية العنفية والناعمة تصاب الدول وانظمتها السياسية في معظمها بحالة من الارباك والتشوش مالم تكن طرفا مباشرا في الحرب مع أي من طرفي النزاع. لانها (الدول) ترتبط بشبكة علاقات سياسية وديبلوماسية واقتصادية مالية وتجارية وامنية عسكرية مع كلا الفريقين، ورغم ارتباط العديد منها بتحالفات مع هذا الفريق او ذاك، بيد انها في لحظات الحقيقة، ومع اشتعال نيران الحروب تصاب قياداتها بالدوران، وتتردد الف مرة في اتخاذ مواقف قاطعة مع او ضد. لان لكل موقف ثمن، وقد يكون ثمنا عاليا. لذا ليس من السهولة التورط المباشر في دوامة تحديد المواقف، ولهذا عادة تلجأ لانتهاج موقف محايد لحين اتضاح ملامح المشهد، او في حال خضعت لضغوط وابتزاز من قبل احد طرفي النزاع، قد تضطر لتحديد موقف على مضض، وهو اهون الشرين بالنسبة للدول مكشوفة الظهر عند حلفائها.  
وارتباطا بما تقدم، واجه النظام العربي الرسمي موقفا حرجا مع اندلاع شرارة الحرب الروسية الأوكرانية في ال24 ما فبراير / شباط الماضي. لان الحرب عمليا لا تنحصر في طرفيها المباشرين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، وانما هي حرب عالمية ثالثا بالوكالة، من خلال دفع الغرب الرأسمالي بقيادة اميركا كييف للتورط في الحرب مع روسيا بهدف استنزافها، وكشف نقاط ضعفها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ومن جانب آخر توريط دول الاتحاد الأوروبي بالانخراط في الحرب لتحقيق اكثر من هدف، أولا اغلاق خط الغاز الروسي الألماني نورد استريم2 وتجفيف العلاقات الروسية الاوروبية؛ ثانيا اضعاف القطبين الأوروبي والروسي؛ ثالثا من ثم تفرع اميركا لاحقا للقطب الصيني. وبالتالي هناك قطبان مركزيان في الحرب الدائرة منذ قرابة الأسابيع الثلاثة، وكلاهما يسعى لاستقطابهم لطرفه بشكل مباشر (النموذج الأميركي) وغير مباشر (النموذج الروسي).
لكن الدول العربية ترتبط معهما (الطرفين) بعلاقات متعددة الجوانب سياسية وديبلوماسية واقتصادية ومالية تجارية وامنية عسكرية وثقافية، وليس من السهل عليها تحديد موقف حاسم مع او ضد، اضف إلى ان العرب الحلقة الأضعف بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، كما انهم لا يملكون موقفا موحدا تجاه الصراع الدائر هناك. مع ذلك مصالحهم متشابكة مع الطرفين، ولا اضيف جديدا بان علاقات الدول تقوم على المصالح، وليس على العواطف، وبالتالي التورط في الحرب وتداعياتها لا يخدم مصالح العرب القطرية ولا الجمعية. بالإضافة إلى ان ملامح إعادة تقاسم النفوذ في العالم لم تتبلور بشكل نهائي بعد، ومازال هناك متسع من الوقت للنأي بالنفس عن اثقالها واحمالها الخطيرة.
فضلا عن ان القطب الأميركي الذي يضغط على حلفائه يرفض التورط المباشر بالحرب العسكرية حتى الان، وهناك بعض دول الاتحاد الأوروبي التي صادقت مع اميركا على حزمة عقوبات ضد روسيا الاتحادية  هي الأشد والاقصى عالميا حتى الان، تحاول إن لم يكن كلها استبعاد قطاعات بعينها مثل النفط والغاز ونظام سويفت المالي من العقوبات، ومنها المانيا وفرنسا وبلغاريا وغيرها من الدول، وفي الوقت نفسه، انتهاج إدارة بايدن مواقف سلبية من بعض أنظمة الخليج العربي خلال المرحلة الماضية من توليها للحكم، ساهمت كل تلك العوامل بتعزيز خيار التخندق في خنادق الحياد، وعدم الاقدام على اية خطوة اقصوية تجاه أي من الطرفين.
واجزم ان مواصلة الأنظمة العربية من المحيط للخليج بانتهاج سياسة الحياد يخدم مصالحها على الصعد المختلفة، ويعطيها بعض المصداقية داخليا وخارجيا، ويبعد عنها دفع اثمان غالية. فضلا عن انه من المبكر تحديد أي موقف، وامامها جميعا وقت إضافي لتقدير الموقف جيدا من الحرب. والأفضل بكل المعايير السياسية والديبلوماسية والاقتصادية ان يتجنبوا نهائيا تحديد موقف، لان الحرب ليست حربهم، بل يمكن في حال تورطوا، ان يكونوا وقودا لنيرانها اسوة باوكرانيا.
لكن هل يكفي اتخاذ موقف الحياد من الحرب، ام عليهم واجب سياسي وانساني أخلاقي تجاه ما يجري؟ اعتقد ان هناك إمكانية للنظام العربي الرسمي ان يعيد الاعتبار النسبي لنفسه من خلال عقد اجتماع طارء لمجلس وزراء خارجية الدول العربية في مقر الجامعة العربية ويسعوا لصياغة مبادرة سلام بين الطرفين المباشرين الروسي والأوكراني مستفيدين من روابطهم وعلاقاتهم متعددة الجوانب مع الدولتين، وعليهم تجاوز حالة التلقي السلبي، وانتظار النتائج النهائية للحرب. واعتقد ان أي من الدول العربية مثل مصر اوالسعودية او الأردن او فلسطين وغيرها المبادرة لدعوة المجموعة العربية للخروج من نفق الحياد السلبي. الكرة في مرمى الجميع.
[email protected]
[email protected]