رحل احد حراس القومية

بي دي ان |

10 مارس 2022 الساعة 12:01ص

في خضم التحولات الجارية على اكثر من مستوى وصعيد إقليمي وعالمي، وتراجع وانكفاء الحالة القومية العربية، هوى شهب جديد من حراس القومية العربية، فارس من رعيل القوميين العرب الأوائل، الذين امتشقوا راية الدفاع عن شعوب الامة كلها بدءا من فلسطين مرورا بمصر والجزائر واليمن والخليج العربي ولبنان وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان، ترجل رجل من المؤسسين الأوائل لفكرة القومية العربية في العصر الحديث منذ مطلع الخمسينيات ، من أولئك الرجال الاشداء، الذين حملوا الامال والآلام، الاحلام الكبيرة والحسرات والمواجع والنكسات والارتدادات الخطيرة لبناء صرح الامة العظيم، من ذلك الطراز الذي لم تهن عزيمته، رغم وحشة الليل العربي، وانكفاء واضمحلال الكفاح القومي، بقي قابضا على جمر القضايا الوطنية والقومية، متأكدا بعودة الروح لمجد الامة من خلال امتشاق الأجيال الجديدة رماح الحرية والاستقلال الحقيقي والديمقراطية والمواطنة، واسقاط مخالب التبعية والردة، والانتصار على الهزيمة.
غادر البطل القومي العربي الشجاع والنبيل، احمد الخطيب، ابن الكويت البار المسرح السياسي بعد رحلة كفاح طويلة لعب فيها أدوارا قيادية على المستويين الوطني والقومي، فهو احد مؤسسي حركة القوميين العرب مطلع خمسينيات القرن الماضي مع رفاقه جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وباسل الكبيسي وسلام احمد وحامد الجبوري وقحطان الشعبي وعبد الفتاح إسماعيل ونايف حواتمة واحمد اليماني ... وغيرهم من الرواد الأوائل بعد رحلة كفاح امتدت من 1952 حتى السادس من اذار / مارس الحالي 2022 مع توقف نبض قلبه عن الخفقان. سبعون عاما قضاها المناضل الباسل الخطيب منافحا ومدافعا عن قضايا امة العرب بهمة لا تلين، وعزيمة فولاذية، وانتماء راسخ الولاء لقضايا وهموم القومية العربية.
لا تستدعي الضرورة ان تتعرف على الراحل الوطني والقومي الخطيب مباشرة او ان ترتبط معه بصداقة حتى تستحضر ذكراه، ومناقبه وسماته وخصاله الإنسانية، يكفي ان تكون مؤمنا بوطنيتك وعروبتك وانسانيتك لتكرم الابطال المؤسسين للفكرة القومية، بغض النظر عما شاب الفكرة والتنظيم واليات العمل من نواقص في اقطار الوطن العربي الكبير، فهذا مستوى وذاك مستوى. لان عظمتهم وابداعهم تجلى في الإمساك في لحظة تاريخية محددة ووفق شروطها الذاتية والموضوعية بناصية الدفاع عن حرية واستقلال وسيادة شعوب الامة على أراضيهم، ورفض الاستعمار باشكاله القديمة والجديدة وخاصة الاستعمار الاستيطاني الاجلائي الاحلالي الصهيوني في فلسطين، والاستعمار البريطاني في اليمن (الجنوبي)، والاستعمار الفرنسي في الجزائر ودول المغرب العربي والاستعمار الإيطالي في ليبيا، وبناء مشاريع الوحدة القومية، التي تكرست في البداية في سوريا 1958 /1961، والمشاريع القومية الأخرى، التي لم يحالفها الحظ نتاج صراع القوى القومية فيما بينها، وعبث قوى الاستعمار القديم واجهزته الأمنية بمصائر الشعوب والنخب السياسية، التي على ما يبدو لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية لبناء صرح نموذج قومي يبنى عليه.
تعرفت على الراحل القومي الكبير من خلال انتمائي الباكر للجبهة الشعبية وتحديدا مع التأسيس، ومراجعتي تجربة القوميين العرب وفروعها في اكثر من قطر عربي. واستوقفتني تجربة الدكتور احمد الخطيب، الذي كان له باع طويل في حمل راية القومية انطلاقا من مرحلة دراسته الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مرورا بمسقط رأسه دولة الكويت الشقيقة خصوصا والخليج العربي عموما، وتمكن من لعب دورٍ متميز في دعم واسناد حركة التحرر الوطني العربية في اوطان العرب جميعا، ودون تمييز. لانه كان مسكنونا بقوميته العربية، ومدافعا مقداما وصلبا عنها في ميادين الحياة المختلفة داخل الكويت وخارجها، منها مجلس الامة الكويتي، الذي تبوأ فيه اكثر من مرة العضوية، ومن خلال منابره الإعلامية "الايمان" المجلة الشهرية والاسبوعية "صدى الايمان"، وهي اول مجلة أسبوعية في الكويت، وحتى في حقل الرياضة والثقافة لعب دورا مهما في تأسيس "النادي الأهلي"، وساهم عبر "المنبر الديمقراطي الكويتي" الذي اسسه في حمل راية القومية. كما وشكل لجان التضامن مع فلسطين واليمن والجزائر وغيرها من الدول والشعوب العربية.
رحل القائد الخطيب عن عمر ناهز ال95 عاما عاتبا وحانقا على أجيال الامة العربية الجديدة، التي هرستها الحروب والنزعات القطرية الخاطئة، وانتفاء روح التمرد الوطنية والقومية، والغرق في متاهة الهويات المذهبية والطائفية والدينية والقطرية الضيقة، وغياب قوى التغيير الحقيقية، وسقوط ركائز الامن القومي العربي، وغياب عوامل التكامل والتضامن العربي، ليس هذا فحسب، وانما في تورط العديد من القوى والدول في حروب بينية وعلى حساب مصالح الشعوب العربية ذاتهأ، ومصالح الامة وعوامل قوتها. بيد انه غادر إلى عالم الخلود السرمدي وهو على قناعة بان سوداوية اللحظة التاريخية المعاشة زائلة لا محالة، ولديه الايمان الراسخ باستعادة روح القومية العربية بمعايير جديدة مواكبة للعصر ومستجيبة لطموح الأجيال الجديدة. رحمة الله على القائد الخالد احمد الخطيب، الذي ستبقى ذكراه خالدة في السجل الذهبي لابطال الامة العربية جميعا.
[email protected]
[email protected]