أفكار راعي البقر السوداء

بي دي ان |

08 مارس 2022 الساعة 11:12م

الوعي في المجتمعات البشرية ينتج عن الواقع الاجتماعي الاقتصادي المحدد في سيرورة وصيرورة تطور مجتمع ما. كما ان الوعي يساهم مباشرة في ارتقاء ونهوض المجتمع، ومن خلال عملية التكامل الديالكتيكية بين البناء الحاضن لانتاج الوعي، ودور الوعي في إعادة انتاج وتطوير ذاته والعملية الاجتماعية الثقافية ترتقي المجتمعات باسرها. وفي سياق تطور هذه العملية التبادلية تترسخ في الموروث الاجتماعي الحضاري قيم ومفاهيم وسلوكيات بشرية في الوعي واللا وعي تتمظهر في مسيرة هذا المجتمع او ذاك. وتتجلى تلك المعايير الناظمة للعمليات الفكرية السياسية والقيمية في لحظات الحرب والسلام في النطاق الذاتي والموضوعي على حد سواء لتعكس نفسها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

واذا اخذنا المجتمع الأميركي نموجا لمحاكاة علاقته بالذات الأميركية ومع الاخر الموضوعي (الدول والشعوب الأخرى) وعدنا لمركبات بناء الوعي وتطور المجتمع، فإننا نجد انفسنا امام أمة بنيت بالأساس من رحم الهجرات الأوروبية للأرض المكتشفة من قبل كريستوفر كولومبوس قبل قرون خمسة خلت، وقيام المهاجرون الأوروبيون بإعادة انتاج نزعاتهم العنصرية ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر لتطهير الأرض الأميركية منهم، وتمكنوا من إبادة ما يزيد على المئة مليون هندي وبطرق شتى حتى فرضوا هيمنتهم الكاملة، وتلا ذلك بالتكامل مع دول وشعوب أوروبا بتجارة العبيد الافارقة وبوسائل لا إنسانية، وتطورت الحضارة الأميركية على انقاض الشعب الاصلاني وتجارة الرقيق وانتهاج السياسة الاستعمارية لنصف الكرة الغربية حتى خمسينيات القرن العشرين، ثم تمددت لتشمل شعوب الأرض قاطبة.

المدخل السريع أعلاه، اردت من خلاله ان اقدم بعض ملامح انتاج وعي راعي البقر الأميركي الأبيض العنصري بهدف تسليط الضوء على أفكار قيادات أميركية مركزية لحل إشكالية الحرب الروسية الأوكرانية، ولاظهر للقارىء خواء وافلاس تلك القيادات، واستلهامها منطقها التآمري من مستنقع إرهاب الدولة الأميركية المنظم، التي تتحدث عن مبادئ وقيم عظيمة، وفي ذات الوقت تكون اول من ينتهكها، ويضرب بها عرض الحائط، واقصد قيم "السلام" و"الديمقراطية والحرية" و"حقوق الانسان" ... الخ

من بين الأفكار العبثية لحل الصراع الروسي الاوكراني جاءت على لسان السناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي دعا يوم الخميس الماضي في الثالث من مارس الحالي في مقابلة مع فضائية شبكة "سكاي نيوز" إلى "اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين. وقال "على شخص ما في روسيا ان يصل إلى مستوى المسؤولية، ويزيح هذا الرجل." ولم يتوقف عند ذلك، بل كرر ذات الدعوة في تغريدات له على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعمق الأسلوب التآمري المفضوح الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اقترح في مؤتمر للمانحين حول الحرب في أوكرانيا امس الاحد السادس من مارس الحالي "إن على الولايات المتحدة ان تضع الاعلام الصينية على طائرات F- 22 الأميركية ثم "تقصف القذارة" في روسيا مما يؤدي إلى صراع بين بكين وموسكو بينما نجلس ونتفرج."

والاسئلة التي تطرح نفسها على الرأي العام، وحتى على الرجلين المسكونين بمنطق المؤامرة والاغتيال، هل مبدأ ومنطق الاغتيال يستقيم مع معايير الديمقراطية؟ وهل الاغتيال بحد ذاته يعالج أسباب الازمة الروسية الأوكرانية، ويفضي للنتائج المرجوة وفق معايير القانون الدولي؟ والا تكشف تلك الأفكار عن عار الديمقراطية الأميركية الزائفة؟ وأين حقوق الانسان وقيمها، التي تنادي بها الولايات المتحدة صباح مساء؟

وعلى صعيد آخر، الا يعكس اقتراح رئيس الولايات المتحدة السابق أفكار الإرهاب الأسود الأميركي؟ ولماذا لم ينادِ أي منهم إلى حل الصراع سلميا وبما يخدم مصالح الشعبين الروسي والأوكراني والشعوب الأوروبية والعالم؟ وهل اقتراح الحرب الروسية الصينية سيحل موضوع الحرب ام سيفاقمه؟ والا يثير هذا الاقتراح لدى المتلقي الأميركي او الأوروبي او في أي مكان من العالم، عن حسابات تآمرية ضيقة، واجندات أميركية عنصرية واستعمارية؟ والا يعيد مجددا للاذهان منطق إبادة الهنود الحمر لفرض الهيمنة الأميركية مجددا على العالم بعد ان تراجعت مكانتها؟ والا تكشف هذه الأفكار والمقترحات عن روح الحضارة الأميركية الغارقة في وحول النيوليبرالية المتوحشة؟

للأسف النخب السياسية الأميركية مازالت تنضح من مستنقع راعي البقر الأبيض العنصري، الذي لا يعرف غير الحروب والقتل والإرهاب وإنتاج الجريمة المنظمة والركض وراء نهب الشعوب، والعبث بمصيرها، وتأليبها على مواجهة بعضها البعض، وتحقيق الربح الاحتكاري، والجشع المسعور والتسيد على العالم. لعل شعوب الأرض ونخبها وقياداتها تعي جيدا حقيقة الكابوي الأميركي، وتعمل مجتمعة على محاصرته وتقليم اظافره ومنطقه الكولونيالي التآمري لحماية البشرية من اخطاره.