منظمة التحرير ودموع التماسيح

بي دي ان |

22 فبراير 2022 الساعة 12:25ص

يخطىء من يحاول تغطية الشمس بغربال ويدافع عن الخطأ الفادح، الذي تضمنه المرسوم المتعلق بادراج منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والوطن المعنوي للكل الفلسطيني في الوطن والشتات كجزء من مكونات الدولة الفلسطينية. وبغض النظر عن خلفية الخطأ مقصودا ام غير مقصود، لا يمكن تبريره، او التغطية عليه، او القفز عنه، واعتباره كأنه لم يحصل، بل ان الضرورة الوطنية تحتم اتخاذ ما يلزم من الإجراءات العقابية تجاه من وقع في الخطأ ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب هكذا خطيئة، وحتى يدرك كل مسؤول ان البديهيات في التراتبية الوطنية ليست مجالا للتحزير، او للاجتهاد، او للالتباس والغموض. لان هكذا موقف نقبصة ومعيب بحق الف باء الوطنية الفلسطينية ومحدداتها.

ما تقدم لا يحتمل الاجتهاد في كون منظمة التحرير هي المرجعية الأولى والاساسية للكل الفلسطيني، وهي صاحبة القرار في انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، اداتها في أراضي دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من حزيران 1967. ولا اشك انه حصل في اعقاب نشوء السلطة عام 1994 تعويم لدورها، حتى بات البعض يعتقد انها "المرجعية" الفلسطينية بحكم دورها الوظيفي، ولعب وزاراتها عموما ووزارة المالية خصوصا دورا رئيسيا في "الانفاق" على دوائر ومؤسسات وسفارات المنظمة نتيجة الخلل الوظيفي، والخلط المتعمد او غير المقصود بين وزارة المالية والصندوق القومي، وبين وزارة الخارجية والدائرة السياسية لمنظمة التحرير، وبين بعض الوزارات ومسؤولياتها في الداخل والشتات على حساب دوائر المنظمة، مما أوقع البعض في خطيئة الاعتقاد بأن المنظمة باتت "جزءا تابعا" للفرع، أي للسلطة او الدولة الفلسطينية. ولهذا ركزت الدورة الأخيرة للمجلس المركزي بشكل خاص على إعادة الاعتبار للمنظمة كمرجعية أولى، وإعادة ترتيب الاولويات الوطنية، وعدم الخلط بين الأساسي والفرعي، بين الام الحاضنة للكل الفلسطيني وبين الجزء التابع، وهو ما يجري العمل حاليا على تنظيمه وفق المعايير الوطنية الناظمة للمكونات الفلسطينية وحدود مسؤولياتها وصلاحياتها.

هذا الخطأ الفادح وغير المقبول فتح شهية حركة حماس للانقضاض على الشرعية الوطنية، واخذت قياداتها وممثلوها ومنابرها الإعلامية وكتابها بالعويل والصراخ والبكاء، حتى اعتقد قطاع من البسطاء في الوطن والشتات وفي المهاجر والجاليات بأن فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين "غيور" على منظمة التحرير، و"حريص" عليها، و"معني" بالدفاع عنها كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني. ولم يقتصر الامر عند حدود فتح صنابير دموع التماسيح "حرصا" على المنظمة، لا بل ذهبت لبيت القصيد، لهدفها الأساس، وهو الانقضاض على القيادة الشرعية والطعن في "دورها"، واتهامها بما ليس فيها، وتطاولت ومازالت تتطاول على رئاسة المنظمة صباح مساء.

لكن لو دقق أي مواطن بسياسات وخلفيات حركة حماس، لادرك انها لا تتباكى على منظمة التحرير، انما على عدم تمكنها من تدميرها وتخريبها، وتمزيقها حتى الان، وإيجاد بديل مسخ عنها، كما حاولت مرات عدة. واذكر عشية تشكيل الحكومة العاشرة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وتكليف الرئيس عباس لاسماعيل هنية بتشكيل الحكومة وفتح قيادة حماس باب المشاورات مع الفصائل الفلسطينية، التقى الرفيق جميل المجدلاوي، عضو المكتب السياسي للشعبية آنذاك مع الدكتور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي للحركة، واثناء الحوار اكد المجدلاوي على أهمية حماية المنظمة، كممثل شرعي ووحيد. رد عليه الزهار قائلا: انشاء الله مصدق المواقف التي نطلقها لوسائل الاعلام حول المنظمة؟ هذه المواقف للاستهلاك، ولسنا معنيين بالمنظمة ولا ببقائها. وعلى اثر ذلك انسحبت الشعبية آنذاك من المشاركة في تلك الحكومة. هذا الحديث سمعته شخصيا من الرفيق جميل، وهو مازال حيا على قيد الحياة ويقيم في مدينة غزة.

ما ورد أعلاه يعكس حقيقة موقف حركة حماس من منظمة التحرير ووجودها. فهي ترفض من حيث المبدأ المنظمة، ولا تقبل بعضويتها، ولا تعترف بها كممثل شرعي ووحيد، وكل مطالباتها بالحوار واطار الأمناء العامين، انما بهدف التمهيد لخلق البديل عن اللجنة التنفيذية للمنظمة. ويندرج في اطار المخطط لتبديد وتصفية منظمة التحرير. وان قبلت ( حماس) فيها، يمكن ان يكون ذلك عندما يتاح لها استباحتها والسيطرة عليها، كما فعلت في الانقلاب على الشرعية في محافظات الجنوب (قطاع غزة) أواسط عام 2007. وبالتالي كل دموع التماسيح ليست خشية على وحدانية تمثيل المنظمة ودورها المرجعي الأول للشعب، انما للاساءة للقيادة، وتبهيت دورها، وتحريض الشارع الفلسطيني عليها، والطعن في اهليتها كمقدمة للانقضاض عليها، وسحب البساط من تحت اقدامها.

لكن حساباتها الفئوية الضيقة تخونها دائما. لان الغالبية العظمى من الشعب خبرتها وتعرف خلفياتها. ومع ذلك كان المرء يتمنى ان تكون تلك البكائيات ربع صادقة، وحريصة على مكانة ودور منظمة التحرير. كما ان من يريد المنظمة عليه ان ينضوي في صفوفها وتحت لوائها، ويلتزم ببرنامجها، او على الأقل يقبل بالمشاركة في دورات واجتماعات هيئاتها لحين ترتيب دخولها الرسمي في اطار الممثل الشرعي والوحيد وفق المعايير التنظيمية للمنظمة. لكن شتان ما بين الصراخ ودموع التماسيح وبين الحقيقة التي يتمناها كل وطني فلسطيني.