اميركا من يقرع طبول الحرب

بي دي ان |

13 فبراير 2022 الساعة 12:33م

من المؤكد لا يوجد انسان عاقل على وجه الكرة الأرضية يرغب، او يدعو لنشوب حرب في شرق أوروبا، لان هكذا حرب تعني التمظهر الحقيقي للحرب العالمية الثالثة بكل تجلياتها، والتي لن تتوقفف عند حدود روسيا أوكرانيا، ولن تتوقف عند حدود بولندا ورومانيا وبلغاريا، بل ستشمل غرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن تورط دول أخرى من العالم علانية وبشكل مستتر. لان العالم دخل فعلا لا قولا عملية إعادة تقسيم النفوذ على كعكته الاقتصادية والأمنية والجيوبولتيكية. وبالتالي تداعياتها على البشرية ستكون اكثر وبالا وخرابا، لانها ستزهق أرواح عشرات الملايين من البشر، وبالضرورة ستفوق عدد السبعين مليون من البشر، الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، فضلا عن التدمير غير المسبوق لدول شتى في العالم.  
رغم ان الحرب العالمية الثالثة بالوكالة بدأت منذ مطلع العقد الثاني من الالفية الثالثة، وتحديدا بعد قرع انصار الولايات المتحدة طبول ما يسمى "الربيع العربي"، والذي لم يستهدف تمزيق وتفتيت وحدة الدولة الوطنية، او افرازات دول اتفاقية سايكس بيكو، وانما استهدف تأكيد الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على الوطن العربي خصوصا وإقليم الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يعني عمليا اسقاط دور ونفوذ وحصص الأقطاب الدولية الأخرى.
غير ان روسيا الاتحادية تمكنت من تدارك الموقف مع تكريس دورها في سوريا، واعادت الاعتبار لحضورها في ليبيا والجزائر وحتى بمعايير نسبية مصر. وكذلك فعلت الصين بتوسيع تمددها عبر مشروع طريق الحرير، وتوقيع عدد من الاتفاقيات مع الدول العربية والافريقية، فضلا عن تعزيز نفوذها في بحر الصين وجنوب شرق اسيا بشكل عام. كما ان أوروبا حاولت إيجاد موطىء قدم لها هنا وهناك. لكنها ما زالت تتعثر، كونها لم تخرج حتى اللحظة من تحت سيف الوصاية الأميركية. مع ان كل من المانيا وفرنسا بشكل خاص حاولتا، ومازالتا حتى الان تسعيان للتعامل بندية مع بلاد العم سام.
وعلى صعيد التطورات العاصفة على الحدود الروسية الأوكرانية، من الواضح، ان إدارة بايدن ومن معها من دول الغرب وغيره، نلحظ انها هي من يقرع طبول الحرب ويمهد لها، وليس احد غيرها، ومن تابع امس وأول امس وخلال الأيام الماضية تصريحات بليكن، وزير الخارجية، وسوليفان، مستشار الامن القومي، وقبلهما، وعلى رأسهما رئيس الولايات المتحدة بايدن بالإضافة لسفرائهم وادواتهم في مختلف منابر الدنيا، هم الذين يعلنون كل يوم موعدا لشن روسيا الحرب على أوكرانيا، مرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، ومرة اثناء انعقاد حلف الناتو يوم 16شباط / فبراير الحالي، كما نشروا اكثر من سيناريو لكيفية شن روسيا الحرب على أوكرانيا. في حين ان القيادة الروسية وعلى رأسها بوتين، اكدوا صباح مساء عدم لجوئهم لخيار الحرب. لكن لم يتنازلوا قيد انملة عن مطالبهم، واهمها رفض انضمام الدولة الجارة لحلف الناتو. لانها جزء لا يتجزأ من حصتها من كعكة العالم اولا، وثانيا لانها تمس الامن القومي الروسي؛ ثالثا لانها جزء من حديقتها الخلفية، وبالتالي لن تسمح روسيا بوتين لاميركا اللعب في عقر دارها وعلى حسابها.
بيد ان الولايات المتحدة تعمل جاهدة لاغراق روسيا في مستنقع الحرب، ووضعت كماً من السيناريوهات لتطويق قادة الكرملين، ومحاصرة بلادهم بكم هائل من الاشاعات وحملات التحريض المغرضة، فضلا عن ارسال الأسلحة لاوكرانيا، وارسال متواصل لبرقيات التهديد والوعيد. مع ان الولايات المتحدة وأوروبا تعلم علم اليقين، ان روسيا ليست بحاجة لشن حرب لتحتل أوكرانيا، وتستطيع احتلالها دون كل هذا الصخب الدائر لو شاءت وخلال دقائق معدودات وليس ساعات، وأيضا يمكنها تحقيق هدف الاحتلال دون دخول جندي واحد للسيطرة على العاصمة كييف اما من خلال الأسلحة بعيدة المدى، او من خلال اطلاق يد المعارضة الداخلية ومدها بما تريد من الأسلحة والمال. الا انها لا تشعر حتى الان انها معنية بالدخول في دوامة الحرب، وتعتقد انها قادرة على ثني القيادة في كييف عن ولوج خيار المغامرة غير المحسوبة. لا سيما وان رهانها على الغرب عموما والولايات المتحدة لن ينفعها نهائيا، لا بل سينعكس سلبا على الشعب الاوكراني، وهو من سيدفع الثمن.
مع ذلك وبعيدا عن التمنيات وتشخيص وتحليل المعطيات والواقع القائم على الحدود الروسية الأوكرانية، من الواضح ان الإدارة الأميركية واضرابها سيستخدمون كل ما لديهم من ذرائع وسيناريوهات لاغراق شرق أوروبا في الحرب في استباق لما قد يشهده العالم من تحولات ليست في صالح الغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة خصوصا. ولهذا تسعى لانهاك روسيا، وتقليم اظافرها من الغاز والاتفاقات التجارية مع أوروبا وحتى دول الخليج العربي وافريقيا. ولا اعتقد ان القيادة الروسية غائبة عما ترمي اليه بلاد العم سام.  وهذا لم يغب عن بال القيادة الروسية، ووضعته في اعتباراتها، ومستعدة له. كما ويشمل الهدف أيضا نهب حصتها من كعكة النفوذ في العالم ومن داخل عقر دارها. وهو ما لن يتم، ولن تتمكن اميركا ولا أوروبا من تحقيقه.
[email protected]
[email protected]