ليل بغداد البهيم

بي دي ان |

10 فبراير 2022 الساعة 11:49م

ريح تعوي وبرد يتساقط بغزارة وجنون، وقع نقراته القوية على زجاج النافذة المقابلة، دفعه للنظر صوبها أكثر من مرة، صخب الأولاد من حوله أشعره بشيء من الدفء، لكن انقطاع التيار المتكرر، أشعل في جسده قرا لم يحتمله، أمر بإيقاد المدفأة، فأخبروه بنفاذ غازها، تمتم بشتائم لم يسمعها أحد، ثم دس نفسه تحت اللحاف وصمت.
بين صحو ونوم تداعت إلى مخيلته صور وأصوات لم يميزها في بادئ الأمر، لكنه بعد حين راح يفك شفراتها التي بدت مبهمة وربما مستهجنة إلى أبعد حد، فأي والٍ هذا وأي جند هؤلاء الذين يُنادي من أجلهم!..
تكرر النداء أكثر من مرة وبات قريبا يصم الآذان: بأمر من والي بغداد وأمير جندها المفدى، الحجاج بن يوسف الثقفي حفظه الله وسدد خطاه، يحظر على جميع الحطابين في بغداد وضواحيها، جمع الحطب أو بيعه وكل من يخالف الأمر سيلقى الجزاء.
- يا إلهي.. أي جنون هذا!.. كيف سيتأتى للناس اتقاء لسع هذا البرد اللعين من دون حطب!، همس مرتجفا وأطرق ساهما.
صوت المنادي يعلو مرة أخرى، محذرا الناس من تخزين الحطب ومطالبا في الوقت ذاته كل من لديه فائض يومين منه، أن يدفع به إلى بيت مال المسلمين .
حالة من الذهول والصدمة شلت حواسه، ثم تناهى إلى سمعه صوت طرقات بالباب وصياح امتزج بصهيل خيل اصطفت في الساحة المقابلة، فهرع إليه فزعا، دفعه قائد الجند في صدره وصاح معربدا :َ لِمَ لم تستجب من أول نداء؟
- كنت أقضي حاجتي.
- وما هذه النار التي يزكم دخانها الأنوف؟
- بعض ملابس بالية وأحذية قديمة نستدفئ بها ونطبخ
- يا عدو الله... أما كان الأجدر أن تتبرع بها إلى فقراء المسلمين في هذ القر اللعين؟.،
- فقراء المسلمين يُسأل عنهم أميرك لا أنا.
- أتقدح في الأمير يا فاسق!، ثم ضربه على رأسه بمقبض السيف، ضربة أسقطته أرضا، صرخ على إثرها وسكن، هرع نحوه من في البيت متوجسين، حاولوا إيقاظه، فلم يستجب.