طاسة ايزنكوت ضاعت

بي دي ان |

25 يناير 2022 الساعة 08:17ص

قدماء النخب السياسية الاسرائيلية، والوافدون الجدد إليها من العسكريين وغيرهم مازالوا يعيشوا في دوامة تيه المشروع الكولونيالي الصهيوني. لا هم قادرون على الخروج من قيوده، ولا لديهم الجرأة لتجاوز خطوطه الحمراء، ولا يوجد لديهم ركيزة اجتماعية حاضنة ومؤهلة للتغيير في المجتمع الإسرائيلي. كما ان أصحاب المشروع في الغرب الرأسمالي لا يريدون لهم التحرر من أثامه واساطيره المفبركة، لان مصالحهم حتى اللحظة الراهنة تشي بضرورة بقاء دولة النكبة الفلسطينية، وعليه فإن دور الأداة اليهودية الصهيونية الوظيفي مطلوب، وحمايتها مكفولة، واستحقاقات دعمها المادية بمشتقاتها المختلفة مرصودة، وتقدم بانتظام وبشكل دوري لتنفيذ المهام الموكلة لها. رغم انهم (الغرب) يصرحون بمواقف متناقضة وحمالة أوجه لترك اللوحة مشوشة، وليسهل عليهم الاستدارة نحو اية سيناريوهات جديدة او متجددة بما يخدم غاياتهم في كل لحظة.
وبالعودة للنخب الوافدة لميدان العمل السياسي، ومنها غادي ايزنكوت، رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي، الذي قدم نفسه عبر صحيفة "معاريف" من خلال لقاء نشر يوم الاحد الماضي الموافق 23 يناير الحالي، وكان عنوانه الرئيس "حل الدولة الواحدة سيؤدي إلى دمار الحلم الصهيوني". ومع ذلك لم يقدم القادم الجديد للحلبة السياسية رؤية متكاملة، وانما اكتفى بالتحذير، وترك الباب مفتوحا لمشروع الحل الاقتصادي والجزر الكانتونية الفلسطينية، فيقول، ان على إسرائيل "القيام بخطوة مرحلية تمتد من ثلاث حتى خمس سنوات من اجل تحسين الواقع، والبدء في بناء الجسور لخفض مستوى العداء، وتعزيز الثقة." ولجأ للغة الانشائية الفضفاضة، عندما دعا " إلى تغيير الواقع من خلال مبادرة متكاملة من جانب إسرائيل والفلسطينيين ومصر والأردن والولايات المتحدة، والدول الخليجية." لكنه لم يشر من قريب او بعيد لملامح تلك الرؤية، ولم يتطرق بكلمة واحدة لخيار الدولتين، ولا للفيدرالية او الكونفيدرالية، وترك الباب مفتوحا على الغارب. وكان كل همه منصبا على عدم بقاء واقع الحال على ما هو عليه، والذي سيؤدي بالضرورة وفق تقدير اللاعب السياسي الجديد إلى المحذور، وهو الدولة الواحدة.
وفي السياق ركز على بعد أخر، ما يسمى "الامن القومي" الإسرائيلي، حيث شدد على "ان الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، وحملة التشهير المتبادلة، تحد من القدرة على الحكم، إلى جانب تراجع الثقة بالمؤسسات الرسمية، والجريمة، تشكل كلها التهديد الأكبر على مستقبل إسرائيل." وأضاف رئيس الأركان السابق، ما وصفها ب"المناعة القومية" للمجتمع الإسرائيلي، باعتبارها العنصر الأهم في "الأمن القومي". وعمق فكرته بالتأكيد على ان قلق الشارع الإسرائيلي "ليس بسبب التهديد الإيراني فقط، وانما بسبب الضعف الداخلي، وانعدام المساواة، وعدم استيعاب كثيرين داخل المجتمع." وخلص إلى استنتاج " لايمكن وجود حالة "امن قومي" من دون تضامن اجتماعي، ولا يوجد تضامن اجتماعي من دون امن قومي." واعتقد ان استنتاج الجنرال دقيق.
لكنه لم يتطرق من قريب او بعيد لما يمكن ان يحمله الوجود الفلسطيني على ذلك الامن، سوى تحذيره من خطر الذهاب للدولة الواحدة. وركز على البعدين في التهديد للوجود الإسرائيلي، ويقف على رأسها "التشرذم والتفكك، وغياب التضامن الاجتماعي الإسرائيلي"، وانتفاء المناعة الداخلية. وهذا صحيح جدا. وقد يكون احد اهم الاخطار المهددة لبقاء الدولة الإسرائيلية، حتى لو قدم لها الغرب الرأسمالي كل ارجل الخشب الممكنة للوقوف عليها، فلن تقف نهائيا. لكن البعد الإقليمي "الإيراني" لا اعتقد انه يشكل تهديدا لإسرائيل إلا بوسائل الاعلام، ولاستثمار ذلك في لعبة إعادة تشكيل الإقليم الشرق اوسطي الجديد، واخصاء العرب جميعا.
مع ذلك تجاهله للعامل الفلسطيني، وخيار السلام القائم على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والمساواة لابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، فيه هروب واضح من وضع اليد على الجرح الإسرائيلي الاعمق. لانه دون إقامة السلام الممكن والمقبول، وبما يستجيب والحد الأدنى لطموحات الفلسطينيين الوطنية والقومية، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194 والمساواة لفلسطيني ال48، بالتلازم مع التناقضات العميقة بين مكونات دولة الخزر الإسرائيلية سيؤدي إلى فناء المشروع الاستعماري الإسرائيلي.
وبالنتيجة من القراءة الموضوعية للقاء ايزنكوت، يلاحظ انه لم يخرج عن الخطاب السياسي العام لفسيفساء الحزبية الصهيونية، ولم يتمكن من المبادرة لطرح رؤية قابلة للحياة. رغم انه وضع اصبعه على بعض الجروح الإسرائيلية، الا انه اغمض عينيه عن الحقائق الأهم، والكفيلة بإخراج إسرائيل وفلسطين والمنطقة من دوامة العنف والحروب. ولهذا ضاعت طاسة رئيس الأركان السابق السياسية، او كما يقول المثل الشعبي "من اول رعياته كسر عصاته."