بعد النواتي.. هل تفعلها الحكومة؟

بي دي ان |

13 يناير 2022 الساعة 07:29م

أثارت وفاة الطفل سليم النواتي "مريض السرطان"، من سكان قطاع غزة والذي لم يتمكن من العلاج في مستشفيات الضفة رغم تواجده هناك مؤخرا، غضبا شعبيا مشروعًا حول طبيعة الوفاة والتي لا نستطيع حاليا الجزم بمن هي الجهة المتسببة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالوفاة، لو أضفنا ذلك لأقدار الله، لحين الانتهاء من لجنة التحقيق التي شكلتها وزيرة الصحة د مي كيلة. 

الطفل النواتي لم يكن الضحية الأولى لاهمال هنا أو اهمال هناك، ولن يكون في حال لم تتم معالجة هذا الملف بشكل وطني وأخلاقي حازم وصارم.
 
" ملف العلاج بالخارج" والخاص بالمحافظات الجنوبية تحديدا؛ هو ملف خطير للغاية لأنه يتعلق بأرواح بشر يعيشون في بقعة سياسية حساسة من حيث الحصار والتي تعتبر رغبة إسرائيلية بشكل أساسي. 

سنوات طويلة مضت وكل مرة بين الفينة والأخرى تتعالى الأصوات من غزة ما بين مناشدات مطالبة بالعلاج وتحسين الخدمات المقدمة للمرضى، وما بين قرارات هنا ومبررات هناك تنتهي حياة أشخاص كثر ليس لهم أي ذنب، وتتعاظم مشاكل مرضى غزة وتحديدا مرضى السرطان والذي "يضاف اليهم كل شهر أكثر من مئة مريض جديد" ما بين استغراق وقت للتحويلة أو الرفض الأمني من قبل الاحتلال، أو حصر العلاج في عدد محدود من المشافي، ومن حيث عدد الأخصائيين، يتم الاعتماد كليا على طبيبين من ذوي الاختصاص فقط سواء على المستوى الحكومي أو الخاص بالتالي لا يمكن بأي حال الايفاء باحتياجات المرضى في ظل كم هائل من المرضى، قياسا بعدد السكان، أضف لذلك مشكلة تحويل العديد من مرضى غزة إلى المستشفيات المصرية والتي تزيد من العبء المادي للمريض في خضم فقر واضح بالعموم، وفيها ارهاق ومتاعب صحية للمريض من جانب آخر، خاصة أن أصحاب هذه الفئة يكون وضعهم الصحي بالأساس حرج للغاية. 

كما أن هنالك حديث بحاجة لتوضيح من قبل وزارة الصحة حول "تخفيض تكاليف العلاج الكيميائي لصالح غزة"، حيث تقول بعض الإحصائيات أن تكلفة الحالات عام 2020 لقطاع غزة والضفة الغربية 825.7 مليون شيكل، إذ جاءت تكلفة الحالات المحولة من غزة بقيمة 126.8 مليون شيكل وتكلفة الحالات المحولة من الضفة الغربية 689.9 مليون شيكل، كما جاء نصيب المستشفيات الخاصة في الضفة الغربية والقدس 86% في حين المستشفيات الخاصة في قطاع غزة 7% ومستشفيات الأردن 0.3% ومصر 2.8% وفي دولة الاحتلال 3.9% من مجمل التحويلات. وفي حال صدقت هذه الأرقام؛ اذا نحن بحاجة لوقفة جادة. 

"سليم النواتي" الطفل الذي قدر له الموت ليفجر قضية مرضى سرطان غزة على وجه الخصوص، فالجميع اليوم وزارة وحكومة ودولة ملزمون بايجاد حل قابل للتعاطي مع القضية للحد من هذه الكوارث التي يتعرض لها مرضى المحافظات الجنوبية، وفي ذات السياق مهم وضع بعض المقترحات لوزارة الصحة والتي كنت قد تحدثت بها شخصيا ومطولا مع وزيرة الصحة د. مي كيلة، والتي تحدثت معي بوضوح وأريحية حينها، كما تطرقت لذات الموضوع مع سفيرنا في تركيا مصطفى الفايد والذي أيضا كان ايجابيا وأجاب بمصداقية عما يدور في ذهني بخصوص المستشفى التركي، من حيث موقف ودور الأتراك وحدود الدعم المقدم. 

ففي حال تتكلف السلطة الوطنية الفلسطينية مبالغ ضخمة جراء التحويلات المرضية في ظل عجز بميزانيتها وتقليص الدعم المالي من قبل معظم الدول المانحين، فلماذا لا يكون هناك بدائل وحلول خلاقة بعيدا عن الدوران في ذات الحلقة ؟ على سبيل المثال لماذا لا يتم تخصيص المستشفى التركي لعلاج الأورام؟ خاصة وأن الاتراك وفق مصادر رسمية "هم من سيتولون نفقة المستشفى لمدة ثلاثة أعوام"، وفي حال لايوجد بند لعلاج الاورام، لماذا لا يتم إضافة هذا البند؟! ثم ما هي المشكلة في ابتعاث بعض الأطباء للخارج دورات تدريبية تخصصية في ذات المجال، أو قدوم أطباء لغزة من مصر والأردن على سبيل المثال وتدريب الأطباء في غزة ذاتها، وكون لفلسطين دول صديقة بامكانهم دعم المستشفى بالأجهزة والمعدات الطبية اللازمة، تبقى مشكلة المسح الذري والعلاج الاشعاعي والذي قد تمنع دولة الاحتلال دخول بعض المواد تحت حجج أمنية، بالامكان الاستعانة ببعض الدول الصديقة لمعالجة هذا الملف، ولتكن تجربة رائدة في هذا المجال، مع تكليف بعض المتخصصين بعمل دراسة تكلفة ونقاط القوة والضعف للمشروع، ومن باب "أن أهل مكة أدرى بشعابها" فمن الضروري أن يكون متخصصين من غزة للمشاركة في معالجة هذا الملف ولا يقتصر على أطباء فقط، هذه بعض المقترحات علها تكون مدخلًا للتعاطي بديناميكية وجدية أكثر لايجاد حلول ولو نسبية لمعالجة هذا الملف، والذي يتم تأويله سياسيا أحيانا وجغرافيا (مناطقيا) أحيانا أخرى، ولا نلوم أحد في وجهة تفكيره طالما كان هنالك ضحايا بشرية، في حين نحن كفلسطينيين لا نملك سوا الكادر البشري وهو أغلى ما نملك.

فهل ستقبل حكومتنا على إجراءات مغايرة لما هو موجود وتفكر بطريقة خلاقة بهذا الخصوص ؟! للإجابة على هذا التساؤل المشروع سننتظر الأيام المقبلة لنرى، عله يكون في الجعبة الجديد.