معايير الدولة الواحدة

بي دي ان |

06 يناير 2022 الساعة 12:45ص

يدور نقاش واسع في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين وحتى بعض الأوساط الدولية بعد تصاعد وتيرة الاستيطان الاستعماري في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، ومضاعفة الاخطار الصهيونية على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967من خلال سلسلة القوانين العنصرية والفاشية وعلى رأسها "قانون أساس الدولة اليهودية"، ونفي حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني على ارض وطنه الام، وبين المؤيد والمعارض مسافة وبون شاسع. فضلا عن ان الرافضين لخيار الدولة الواحدة أكبر بكثير مما يتوقعه المتفائلون وخاصة بين المستعمرين الإسرائيليين.
ورغم ما تقدم هناك حاجة للكتابة عن الموضوع لاكثر من عامل، الأول طرح الرئيس أبو مازن في 24 أيلول / سبتمبر 2021 امام دورة الأمم المتحدة ال76 خيار الدولة الواحدة كاحد المخارج للصراع؛ الثاني ما نشره مركز "مدار" في ملحق المشهد الإسرائيلي الصادر اول امس 3/1 الحالي حول هذا الملف للكاتب عبد القادر بدوي؛ الثالث ما تشهدة الحلبة الفكرية السياسية والأمنية الإسرائيلية من جدل حول ذات الموضوع، ومحاولات تلك النخب الترويج لبضاعة فاسدة لا تمت بصلة للخيار.
وكنت كتبت عن خيار الدولة الواحدة اكثر من مرة مواربة وبشكل مباشر، وكان من ابرزها مقال كتبته بهذا الصدد في نوفمبر 2016، ونشر في اكثر من موقع وطبعا قبلها في صحيفة "الحياة الجديدة". وبالتالي الموضوع ليس وليد اللحظة، انما هو امتداد لحوار قديم جديد في قراءة مستقبل الشعب العربي الفلسطيني ومسيرته الكفاحية. وكنت لخصت موقفي آنذاك، بأن خيار الدولة الواحدة، لن يكون سهلا، ولن يكون ممرا مفتوحا، وان عاد الشعب والقيادة الفلسطينية لهذا التوجه وفقا لمعايير التطورات الملازمة للقضة والثورة المعاصرة وسلطتها الوطنية. وفي حال تم تبنيه بشكل رسمي، فإنه يحتاج إلى تأمين خطوات تمهيدية عدة، منها: المساواة الكاملة في المواطنة، تغيير اسم الدولة وجواز السفر والنشيد الوطني والدستور من الفه إلى يائه، والنظرية الأمنية للمؤسسة العسكرية والأمنية، ودور الدولة الوظيفي، والعلاقات مع المحيط العربي والإقليمي والدولي، ووضع معايير جديدة للإقامة والسكن وفلسفة الاستيطان وحق العودة، وإعادة نظر كاملة في كل ملمح في مركبات الدولة والنظام السياسي.
دون ذلك يكون الحديث عن الدولة الواحدة، حديث صالونات سياسية وترف فكري لا يمت للواقع بصلة، او التفافا على الدولة الواحدة، وبقاء دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ونظام فصلها العنصري سائدا، مع انتفاء اي شرط من شروط الدولة المرادة، والتي يفترض ان تقوم على الندية والمساواة الكاملة لمواطنيها، وسيبقى الواقع الاستعماري دون تغيير جوهري، وانما تغيير شكلي بالاسم فقط. ويتوافق مع الاستنتاج انف الذكر عملية التعويم لمفهوم الدولة الواحدة، الذي طرحته الباحثة الإسرائيلية، بنينا شربيت باروخ الشهر الماضي "نماذج الدولة الواحدة: جوانب عملية" في التقرير الذي أصدره معهد أبحاث الامن القومي الإسرائيلي، وذكرت باروخ نماذجها المتعددة المثارة في الأوساط الاسرائيلية، وهي "دولة واحدة على كامل المنطقة الواقعة بين البحر والأردن؛ دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمن "حكما ذاتيا" فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)؛ اتحاد فيدرالي مقسم لمقاطعات/ أقاليم يهودية وفلسطينية؛ كونفيدرالية فلسطينية – يهودية؛ ودولة واحدة دون قطاع غزة". على اعتبار ان القطاع خارج حساباتهم.
ومن خلال نظرة سريعة لمجمل الاقتراحات الإسرائيلية يمكن الاستنتاج التالي، ان المكونات الصهيونية المختلفة لا تقبل القسمة على الدولة الواحدة، ولا تستطيع التعايش معها، ولا تقبل القسمة عليها او في نطاقها؛ لانها من وجهة نظرهم دولة نافية لوجودهم، ولحلمهم التاريخي بدولة "يهودية نقية" خالية من العرب والاغيار بمختلف جنسياتهم، ونافية لدورهم الوظيفي الاستعمالي، الذي بدونه لن يكون للدولة اية قيمة من وجهة نظر الغرب الرأسمالي، صاحب المشروع ومموله الأساسي، وحامي حماه .
كما ان إمكانية حل ومعالجة مركبات الصراع التاريخي بين الشعب العربي الفلسطيني ومجتمع المشروع الاستعماري الصهيوني وفق تقديرات قادة ونخب إسرائيل السياسية والأمنية والثقافية والدينية صعبة جدا، ان لم تكن مستحيلة. أولا لان الفلسطينيين بين البحر والنهر بما في ذلك أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعددهم يزيد على اثنين مليون وما يزيد على 300 الف نسمة، حسب اخر إحصاء يتجاوز عدد اليهود الصهاينة في فلسطين التاريخية، رغم زيادة منسوب الهجرة للدولة الاستعمارية. أيضا قانون العودة وحق اللاجئون الفلسطينيون بالعودة لديارهم التي طردوا منها وفق القرار الدولي 194، لا يمكن للصهاينة بمختلف فرقهم ومدارسهم بمن في ذلك انصار السلام القبول بذلك، تحت ذريعة، ان عودتهم تخل بالبعد الديمغرافي، مع ان القرار الدولي صريح وواضح، وربط اعتراف المنظمة الدولية بالدولة الإسرائيلية بعودتهم لديارهم. كما ان الفلسطينيين يرفضون من حيث المبدأ "حق العودة" الإسرائيلي، الذي لا علاقة له بالحق والعدالة والقانون الدولي ولا بالمنطق ولا باي شريعة سوى شريعة الغاب.
وحدث ولا حرج عن باقي الملفات ذات الصلة بالدولة الواحدة، فلا الفيدرالية او الكونفيدرالية يمكن ان يستجيب لحاجات طرفي الصراع. ودون إطالة، سيبقى خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، او قرار التقسيم 181 الصادر في نوفمبر 1947 هما في ظل الشرط السياسي والمعادلة القائمة القابلان للحياة. وإسرائيل المارقة والخارجة على القانون لن تقبل هذا ولا ذاك ولا أي مشروع، وستبقى تلف وتدور وتناور لترسيخ مشروعها الصهيوني على كامل فلسطين التاريخية بالتلازم مع سياسة الترانسفيرلابناء الشعب العربي الفلسطيني، الا اذا تدخل العالم بعد ابعاد اليد الأميركية عن الملف وفرض الحل السياسي الممكن والمقبول للشعب العربي الفلسطيني بالتلازم مع تصاعد المقاومة الشعبية والكفاح السياسي والديبلوماسي والثقافي والاقتصادي والقانوني والرياضي وعلى كل الصعد والمستويات. وللحديث عن الملف بقية
[email protected]
[email protected]