مخرجات خطاب عون

بي دي ان |

30 ديسمبر 2021 الساعة 12:23ص

القى الرئيس ميشال عون يوم الاثنين الماضي الموافق 27/12 الحالي خطابا موجها للشعب، بدا كأنه كلمة وداعية لعهده الذي بدأ منذ عام 2016، لان رئاسته تنتهي العام القادم، والبعض اعتبره بمثابة التمهيد لولاية خليفته وصهره جبران باسيل، كونه تضمن ضمنا مساومات مع حزب الله، حليفه المعلن منذ عام 2006. وتجلى ذلك من خلال الغمز من ناحية من قناة الحزب في المسؤولية عن التعطيل دون ان يسميه، ومن زاوية أخرى التأكيد ان انه لا يقبل التدخل في شؤون الدول العربية عموما والخليجية خصوصا، وبالمقابل رفض اقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، طارق بيطار، الذي يعتبره حزب الله وحركة امل المسبب في ازمة الحكومة، من خلال تسييه ملف مرفأ بيروت، ويطالبون باقالته.

حسب كثير من المراقبين اللبنانيين كان الخطاب هروبيا ودخانيا، كونه لم يحمل اية افاق إيجابية لخروج لبنان من ازمته الاعمق منذ تأسيسه، او كما وصفها البنك الدولي، بانها الازمة الأسوأ في العالم منذ عام 1850. لا سيما وان الليرة اللبنانية فقدت اكثر من 90% من قيمتها امام الدولار الأميركي، وبات اكثر من 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر

ولوحظ ان الرئيس اللبناني استخدم كثيرا كلمة التعطيل في خطابه، دون ان يسمي من هي الجهة التي سببت التعطيل، ومن الذي حال، ويحول منذ 12 أكتوبر الماضي حتى اللحظة الراهنة من انعقاد جلسات الحكومة. مع ان خصوم الثنائي الشيعي حزب الله حركة امل يعتبرونهم السبب. لكن الجنرال لم يشأ تسميتهما لاعتباراته التكتيكية، وبسبب رغبته الاكيدة في عدم خسارة ورقة الحزب وغيره من القوى. لان معركة الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وهو الذي اصدر مرسوما بتحديد الخامس عشر من أيار / مايو القادم (2022) موعدا لها، هذا ان سمحت الظروف الداخلية باجرائها.

ورغم ان اخطر ازمة اقتصادية واجتماعية وقانونية حصلت في عهده، الا انه لم يتجرأ الإعتراف بمسؤوليته الشخصية عنها، فهي حصلت من عام 2019 ومازالت مستمرة حتى الان. وجاء في خطاب الرئيس اللبناني، ان تعافي لبنان من الازمة يحتاج من 6 إلى 7 سنوات قادمة، هذا اذا تم إيجاد قواعد ارتكاز للخروج من الازمة، التي مازات تعصف بوطن الأرز الاشم.

وكل ما جاد به الرئيس عون في كلمته المتلفزة للشعب اللبناني، انه طرح ثلاثة محددات لمعالجة الازمة، هي: أولا حوار وطني شامل لوضع استراتيجية دفاعية؛ ثانيا طرح موضوع اللا مركزية الإدارية؛ ثالثا وضع خطة اقتصادية لمواجهة التحديات المالية واستتباعاتها الصحية والكهربائية وغيرها. وهذا الطرح أولا ليس جديدا؛ ثانيا مجرد طرح نظري لا يحمل في ثناياه أي خطوات ملموسة؛ ثالثا لم ينطل على احد من القوى السياسية التقليدية او خصومها؛ رابعا تعتبر النقاط الثلاث بمثابة تبرأة الذات من المسؤولية، واحالة المسؤولية على الاخرين، او بتعبير آخر كأنه أراد القول " اللهم اشهد اني قد بلغت، وعرضت رؤيتي للحل ولم يستجب احد في الشارع السياسي".

من المؤكد ان الرئيس عون تأخر كثيرا في توجيه خطابه للشعب، رغم عمق وحدة وخطورة الازمة، التي يمر بها لبنان. كما انه ساهم بقسط وافر من المسؤولية فيما آلت اليه الأمور في الساحة اللبنانية، ولم يحسن لا هو ولا حلفائه في الخروج من الازمة، بل العكس صحيح كل من جانبه ساهم بقسطة ودوره في تعميقها. بيد ان ذلك لا يعفي الاخرين من كل امراء الحرب اللبنانية من المسؤولية، بالإضافة لحاكم مصرف لبنان.

للأسف خطاب العهد لم يكن على قدر المسؤولية، وجاء مخيبا لآمال اللبنانيين، لانه لم يحمل بارقة امل واحدة لطمأنتهم لمستقبلهم، ولكيفية خروجهم من نفق الازمة الكارثية التي يعيشها لبنان. ومن القراءة الواقعية للمشهد اللبناني، يمكنني القول، ان الافاق المنظورة لا تحمل بشائر إيجابية، وقد يكون العام المقبل اشد صعوبة وتعقيدا. لان العوامل الذاتية والموضوعية لا تساعد، لا بل تحمل في ثناياها كوابح وتعطيل حتى اللحظة الراهنة.