من الإحتلال إلى الإستقلال

بي دي ان |

15 نوفمبر 2020 الساعة 09:43م

رحم الله الدكتور صائب عريقات طالما سمعت منه هذه الكلمات فى حواراته السياسية ولقاءاته الإعلامية ، وهو يدافع عن وجود السلطة الفلسطينية التى انبثقت عن اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣م  والتى جاءت - حسب قوله - لتنقل شعبنا من الاحتلال إلى الاستقلال ، ورحل صاحب هذا الشعار  ولم يشهد اللحظات المفرحة والتى ينتظرها مع الكل الفلسطينى التى سمعها منه كثيراً بتحقيق الاستقلال، كما هى الوثيقة التى كتب كلماتها الشاعر الفلسطينى محمود درويش وسُميت " وثيقة الاستقلال" ليتلوها ابو عمار رحمه الله أمام الحاضرين فى دورة المجلس الوطنى ال١٩ الذى عُقد فى الجزائر يوم ١٥ نوفمبر عام ١٩٨٨ معلناً " باسم الله وباسم الشعب  قيام دولة فلسطين على كامل ترابنا الوطنى وعاصمتها القدس الشريف" ومنذ ذلك الوقت ونحن نحفر فى الصخر من أجل ترسيم دولة ولكن بلا جدوى ،  كما لم تشهد القضية الفلسطينية منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا إلا مزيدا من التراجع وضياع الأمل بالاستقلال والدولة ، مات محمود درويش ورحل ابو عمار   وشعاره الأبدى " لن يتحقق حلمى إلا بك ياقدس " وعشرات آلاف الشهداء قدمهم الشعب الفلسطينى وعشرات آلاف الجرحى وعشرات آلاف الأسرى قضوا زهرات شبابهم وأعمارهم داخل سجون الإحتلال  من اجل تحقيق أهداف الشعب  وطموحاته بالحرية والاستقلال ولم يعدم شعبنا خياراته فى المضى على طريق النضال بكافة أشكاله وتقديم التضحيات ... وفى المقابل لا يزال العدو الصهيونى ماضٍ فى ممارساته وأطماعه  الإستيطانية فى الضفة الغربية وفرض وقائع جديدة على الأرض كما انه يعمل جاهداً على تغيير معالم مدينة القدس وتزييف تاريخها وتغيير اسماء شوارعها  حتى تتحول الى مدينة يهودية خالصة ويعمل على تفريغها من سكانها من خلال التضييق عليهم بشتى السبل بالطرد وسحب الهويات الزرقاء وعمليات الهدم المستمرة لبيوتهم أمام مشهد ومسمع العالم كله وقد أُعطى الاحتلال الصهيونى الضوء الاخضر من الرئيس  الأمريكى ال٤٥ للولايات المتحدة دونالد ترامب الذى قدمها هدية لنتنياهو على طبق من ذهب  عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل  ويتوحش العدو الصهيونى أكثر فى جرائمه ضد أبناء شعبنا فى الضفة والقدس للتضييق عليهم ودفعهم للهجرة الى خارج فلسطين، هذا كله جاء نتيجة الترهل فى الوضع الفلسطينى والتراجع الذى أصاب المسار السياسى الفلسطينى منذ توقيع اتفاقية اوسلو مع دولة الاحتلال والانقلاب فى الموقف الفلسطينى الرسمى الذى مثلته منظمة التحرير الفلسطينية والتى تم تأسيسها من اجل تحرير فلسطين من البحر الى النهر مع استمرار حالة الصراع حتى التحرير والعودة واذا بها تنحرف نحو الإعتراف بدولة الاحتلال وتذويب مؤسساتها فى مؤسسات السلطة الفلسطينية التى أُنشئت بعد الاعتراف بحق دولة الكيان فى الوجود ما يعنى ( استمرار الاحتلال) والحفاظ على أمنه ، مقابل أن يعترف العدو الصهيونى بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطينى ولم يحصد الفلسطينيون من ذلك إلّا اندثار المشروع الوطنى  الفلسطينى والذى ينادى البعض اليوم بإعادة تعريفه من جديد وإضعاف منظمة التحرير التى ليس لها أى تأثير على القرار السياسى الفلسطينى وهى التى لم تعد تمثل الكل الفلسطينى ، وفى ظل هذه المتاهات السياسية التى تمر بها القضية الفلسطينية  منذ طُرح الحل المرحلى عام ١٩٧٤م  الى اتفاقية اوسلو إلى الإنقسام الفلسطينى إلى الإنفصال السياسى والجغرافى بين غزة  والضفة لم تشهد القضية الفلسطينية أملاً بتحقيق الاستقلال  ، فيما غزة المنهكة  تتعرض لثلاثة حروب اكلت الأخضر واليابس وهى تؤكدتمسكها بسلاح المقاومة وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعيش حصارا يكاد يقتلها منذ ما يقارب  أربعة عشر عاما وعقوبات من إسرائيل ومن قيادة  السلطة الفلسطينية نفسها من أجل إغراقها فى أزمات إنسانية ومعيشية وإجتماعية والتى طالت أبناء حركة فتح أنفسهم ( حزب السلطة) حتى تعود غزة إلى بيت الطاعة ، وفى المقابل الضفة الغربية التى تجسدت فيها مؤسسات السلطة التى أدلجت نفسها بأن الحياة مفاوضات والتى فى ظلها جرّدها العدو الصهيونى من كل مقومات السلطة والسيادة بمزيد من العربدة  والاستيطان والتهويد والقتل والاقتحامات والاعتقالات بدون اى ردات فعل من قبل أجهزة السلطة والقائمين عليها ومحاولة تدجين الشعب الفلسطينى هناك حتى لا يقاوم او يقوم بأى حراك فى وجه جرائم الاحتلال ، و فى المقابل ما يحدث فى دهاليز  السلطة من استقطابات وبروز مراكز قوى من أجل إثبات وجودها وأحقيتها فى وراثة الرئيس الذى اقترب من سن التسعين والصراعات التى بدات تطفو على السطح والصدامات داخل مخيمات الضفة والتخوف من مآلات الأوضاع  ما بعد عباس وترتيب الخارطة الجغرافية فى الضفة الغربية بحسب خطة نتنياهو - ترامب وصفقة القرن مما سيجعلنا نؤكد جازمين بانه قد يكون الرئيس عباس هو البقية الباقية من تشظيات المشروع الوطنى والذى لا يزال يحلم بدولة كيفما تكون ، خصوصا بعد موقفه الرافض لصفقة القرن  وعندما اكتشف ان أمريكا واسرائيل لن تعطياه شيئا وهناك تصميم أمريكى اسرائيلى بتنفيذ بنود صفقة القرن فى ظل حكم ترامب حاول الاحتماء بالمصالحة وعقد الاجتماع القيادى للامناء العامين على الفيديو كونفرنس ما بين رام الله وبيروت ، واستبشرنا جميعنا خيرا وهذا كان مطلب الكل الفلسطينى ، ونتج عن هذا اللقاء ثلاثة مخرجات مهمة وعلى رأسها تشكيل القيادة الموحدة لقيادة المقاومة الشعبية فى غضون خمسة اسابيع وفوجئنا بعدها وكأن اللقاء القيادى لم يكن وتوقف الحديث عن تنفيذ مخرجاته بعد أن تم القفز باتجاه موضوعة الانتخابات من جديد ، ودخلنا فى أزمة قديمة جديدة تدور حول الانتخابات  ( التشريعى والوطنى والرئاسى ، هل بالتزامن ، أم التشريعى قبل الوطنى ، أم الوطنى قبل التشريعى، ام تكون انتخابات التشريعى فى غزة  والوطنى فى الخارج ويتم دمج التشريعى فى الوطنى مع زيادة بعض المقاعد من أجل إرضاء البعض الذى لا يريد دخول انتخابات التشريعى  وهل الانتخابات الرئاسية مع التشريعية ام بعد التشريعية.. وانتظار المرسوم الرئاسى الذى لن يصدر ) وهكذا، واذا بالأخبار تتوارد  ان الرئيس يعيش حالة انتظار نتائج الإنتخابات الأمريكية إن جاء دونالد ترامب يذهب باتجاه المصالحة التى يريدها وإن جاء جو بايدن الذى يختلف فى ممارسته وسلوكه عن ترامب فإن الرئيس سيقلب ظهر المجن ويعود الى المفاوضات معتقدا أن بايدن سيكبح جماع اسرائيل ويناورها من أجل فرض حل الدولتين بأى شكل كان ويعيد دعم السلطة وفتح مكتب منظمة التحرير فى واشنطن ، ويعتقد البعض ان هذا ما يدفع الرئيس الفلسطينى  للتريث فى السير نحو المصالحة والانتخابات والهروب من الشراكة الوطنية كما تريدها حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ، مع ان  المراقبين والمتابعين للسياسة الأمريكية يؤكدون بان بايدن لن يقدم لنا إلا مزيداً من طحن الهواء ولن يقدم أكثر مما قدمه لنا أوباما فى عهده ألا وهى الأمنيات لأن دولة الاحتلال فى العُرف الأمريكى خط أحمر لا يتجاوزه أى رئيس ديمقراطي كان أو جمهوري ... فى ظل هذا كله من الصعب وبعد الذين غيبهم الموت عنا درويش وعرفات وعريقات رحمهم الله والبقية الباقية أن نتحدث عن الإستقلال وهو بعيد المنال..