السودان على مفترق طرق

بي دي ان |

25 ديسمبر 2021 الساعة 11:58م

مازال السودان الشقيق يعيش حالة مد وجزر منذ انتصار ثورته في كانون اول/ ديسمبر 2018 على حكم الرئيس السابق، عمر حسن البشير حتى اللحظة الراهنة، حيث اتسمت سنوات الثورة الثلاث بشد وجذب بين القوى المدنية وجماعة المجلس العسكري. ورغم توقيع الوثيقة الدستورية في اعقاب اتفاق جوبا في تموز / يوليو 2019، التي خلت من الموضوعية، لانها رجحت كفة العسكر على القوى المدنية، من حيث كونها اولا سمحت بتقاسم المرحلة الانتقالية بين العسكريين ( ما يسمى المجلس العسكري) والمدنيين (اعلان الحرية والتغيير)، مع ان الجماهير الشعبية هي صاحبة الثورة، والعسكر لم يكونوا شركاء فيها، لا بل على النقيض من ذلك؛ ثانيا منحت العسكر برئاسة عبدالفتاح البرهان، عراب التطبيع المجاني مع إسرائيل افضلية في اكثر من مستوى وصعيد، منها 1- على صعيد تشكيل المجلس السيادي حصل العسكر على النصف، أي ستة أعضاء من ال13 عضوا؛ 2- الأولوية في تسلم مقاليد الحكم ولمدة 21 شهرا من ال39 شهرا المتفق عليها؛ 3- في تشكيل الحكومة حصل العسكر على عدم السماح لرئيس الحكومة بتسمية وزيري الدفاع والداخلية، لانهما من اختصاصهم؛ 4- لم يسمحوا للحكومة بإعادة النظر في مركبات القيادة العسكرية السابقة.

كما عمل المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية على ارباك وتشتيت قوى المجتمع المدني، وبث الفتنة بينهم، ومن البداية وقبل توحيد وتنظيم مركبات تلك القوى دعا البرهان لاجراء انتخابات مبكرة بعد الإطاحة بالرئيس البسابق البشير في 19 كانون اول / ديسمبر 2018، وذلك للتمهيد لعودة حكم الاخوان المسلمين. غير ان القوى المدنية رفضت هذه الدعوة، ودعت لتشكيل المجلس الانتقالي لحين تهيئة الأمور، وصياغة رؤية برنامجية مشتركة.

مع ذلك تمكن البرهان من احداث مجموعة من التحولات الخطيرة في السياسة التاريخية للسودان الشقيق، أولا اللقاء مع نتنياهو في اوغندا في شباط / فبراير 2020، ثانيا في تشرين اول / أكتوبر اعلن ترامب عن تطبيع السودان العلاقات مع إسرائيل بعد التطبيع المجاني مع دولتي الامارات المتحدة والبحرين. وهذا التحول الاستراتيجي كان يستهدف تقويض قوى اعلان الحرية والتغيير، التي تبلورت في أوساط 2019، وللأسف سرعان ما انقسمت. لان أجهزة الامن السودانية لعبت على تعميق الخلافات والانقسامات بينها، ونتج عنها، انها انشقت لقسمين الأول قوى الحرية والتغيير – مجموعة الميثاق، الثاني قوى الحرية والتغيير – مجموعة المجلس المركزي، وكان قبل ذلك شق قوى ونقابات المهنيين السودانيين إلى قسمين، قسم مؤيد للحكومة، وقسم معارض لها. بالإضافة لمواصلة سياسة البطش والقتل بالجماهير الشعبية المدنية الرافضة لحكم العسكر، التي كان من بين ابرز محطاتها في حزيران / يونيو 2019 عندما احتدم الخلاف بين المكونيين العسكري ومعه الحركات المسلحة والمدني، ونتج عن ذلك ارتكاب العسكر مجزرة حقيقية ضد المعتصمين امام مقر القيادة العامة للجيش، وراح ضحيتها 150 قتيلا، تم القاء 40 جثة منها في مياه نهر النيل. ولم تتوقف عمليات القتل والتنكيل والاغتصاب ضد النساء المناضلات، والتي كان اخرها قبل أيام قليلة عندما تم اغتصاب 13 امرأة، وهذا ما أكدته ممثلة حقوق الانسان الأممية في السودان. بيد ان هذا الانتهاك الخطير لم يوقف قوى الثورة وخاصة النساء، اللواتي رفعن شعار "الاغتصاب لن يوقفنا" و"نساء السودان اقوى والردة مستحيلة"

وكان ما تقدم بمثابة التمهيد للانقلاب الحقيقي للبرهان ومجموعته العسكرية في 25 تشرين اول / أكتوبر 2021 الماضي حيث انقلب رئيس مجلس السيادة على الوثيقة الدستورية، وقام باعتقال رئيس الحكومة ووزرائه وقيادات أحزاب وقوى وحركات مدنية ونخب سياسية عشية تسليم الحكم، الذي كان مقررا بعد أيام في شهر تشرين ثاني / نوفمبر الماضي حسب الوثيقة الدستورية. واعلن البرهان حالة الطوارىء بالبلاد، وعلق العمل بالوثيقة الدستورية، وجمد عمل لجنة التمكين، التي شكلتها الحكومة سابقا بعد تولي عبد الله الحمدوك رئاستها، وكل ذلك السيناريو كان معدا سلفا، ولم يكن مفاجئا للمتابع

ثم أعاد الحمدوك ووقع معه على اتفاق سياسي في 21 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي، مما كشف عن شراكة بين الرجلين. لا سيما وان احتجازه تم في منزل البرهان نفسه، وليس في المعتقل. مما دعا القوى السودانية لرفض الاتفاق المذكور، ورفعت شعاراتها السياسية في مظاهراتها المتواصلة: " لا تفاوض ولا شراكة"، و"لا مساومة"، و"لا لحكم العسكر"، "الشعب يريد اسقاط البرهان"، و"الشعب اقوى والردة مستحيلة"، و "الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب"، و"نعم للحكم المدني الديمقراطي". وهي تعكس إرادة الشعب السوداني البطل، حامل راية الثورة والتغيير. غير ان قوى الردة والتطبيع وتقسيم السودان، والعبث بمصيره المتساوقة مع العدو الصهيو أميركي ماضية في خيارها المعادي للثورة، وبالتالي ومن خلال القراءة السريعة للمشهد السوداني يمكن الجزم، ان السودان يقف على مفترق طرق خطير، يصعب استشراف افاقه. لان ميزان القوى حتى اللحظة يميل لصالح العسكر لاكثر من سبب، منها أولا عدم وحدة قوى التغيير والحرية؛ ثانيا استخدام العسكر ادواتهم من الحركات المسلحة في اكثر من محافظة سودانية لارباك قوى الثورة؛ ثالثا استعمال العسكر لقوى النظام السابق في التحريض على قوى الحرية والتغيير، وكفزاعة في مواجهتهم؛ رابعا الدعم منقطع النظير من العدو الصهيو أميركي وغالبية النظام الرسمي العربي المعادي لرياح التغيير الثورية في العالم العربي ومع ذلك كل الافاق مفتوحة في السودان، في حال تمكنت القوى السودانية من توحيد قواها وقرارها السياسي.