حزب العمال والاساطير الصهيونية

بي دي ان |

21 ديسمبر 2021 الساعة 11:33م

للأسف تشهد دول وقوى واحزاب اوروبية ولاتينية أميركية تماوجا وصعودا وهبوطا في مواقفها السياسية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ارتباطا بهوية وخلفية رئيس الدولة او الحزب او الائتلاف الحاكم، والمرهونة لاجندات شخصية نفعية. لذا تغيب الرؤية السياسية الواضحة والناظمة للأنظمة والأحزاب، ويخضعها اولئك لمعايير غير علمية، مما تترك بصمات سلبية ومضرة بالانظمة السياسية والأحزاب والائتلافات الحاكمة او المعارضة.
وهناك نماذج عدة منها ما حصل في البرازيل من تحول سلبي في ظل قيادة الزعيم اليميني، جاييرو بولسونارو، الذي انقلب بموقف البرازيل 180 درجة. وهناك نموذج حزبي يشهده حزب العمال البريطاني هذه الأيام في ظل قيادة رئيس الحزب الجديد، كير ستارمر، الذي ارتد عن مواقف رؤساء الحزب السابقين، وخاصة جيرمي كوربن وإد ميليباند، اللذين اتخذا مواقف موضوعية تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وتتناقض مع البضاعة الفاسدة، التي تروجها الحركة الصهيونية ودولة الاستعمار الإسرائيلية هو "معاداة السامية". رغم اتهام الرئيس كوربن بتلك الوصفة، مع انه نفاها بالتصريح وبالممارسة.
لكن الحركة الصهيونية وادواتها لا تقبل مجرد النقد للانتهاكات الاجرامية العنصرية لدولة المشروع الكولونيالي الصهيونية، وتعتبر أي نقد، او دعم لحقوق الانسان الفلسطيني، ورفض جرائم الحرب ودعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 معاد لإسرائيل، التي لا تمت للسامية بصلة، ولا تمت للدين اليهودي باية علاقة، إلا كونها مغتصبة وممتهنة لتلك الديانة لتسويق مشروعها الاستعماري، وعلى حساب نكبة الشعب العربي الفلسطيني. وهذا الموقف لا ينحصر بقادة الدول والأحزاب وانصار السلام، وانما داخل النخب الإسرائيلية الصهيونية ذاتها، بما في ذلك داخل ائتلافاتها الحاكمة، كما حصل قبل أيام باتهام وزير الامن الداخلي، عومير بار ليف بأكثر من الشعار الكاذب "معاداة السامية."
وبالعودة لرئيس حزب العمال، ستارمر، فانه حسب تقرير نشرته المعلقة راشيل شابي في صحيفة "اندبنديت" البريطانية خلال الأيام الماضية، واعيد نشره في موقع "عرب 48" يوم الاحد الموافق 19/12/2021 القى في الشهر الماضي خطابا امام مجموعة أصدقاء إسرائيل في الحزب، استحضر فيه مواقف رئيس الوزراء الأسبق، هارولد ويلسون، التي اطلقها في ستينيات القرن الماضي، وجاء فيها، ان "الديمقراطيين الاشتراكيين في إسرائيل "جعلوا الصحراء تزهر". وهذا التصريح مناف للواقع والحقيقة، وهو احد اساطير الحركة الصهيونية، صاحبة شعارات "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، وغيرها من الاساطير الكاذبة، التي لا تمت للحقيقة بصلة. اضف إلى انه لا يوجد في إسرائيل اشتراكية ديمقراطية، وان تقمص حزب العمل الإسرائيلي هذه الصفة.
وكل تلك الاساطير الملفقة والكاذبة لا تمت لشواهد الحياة الفلسطينية التاريخية بصلة. لا سيما وان الفلسطينيين المتجذرين في ارض وطنهم الام فلسطين منذ الاف السنين، هم من نهضوا بوطنهم، وزرعوا ارضهم، وبنوا وشيدوا مدنهم وقراهم وتاريخهم وهويتهم عبر صيرورة وسيرورة الزمان والمكان والعلاقة الجدلية فيما بينها. ورغم ذلك انزلق زعيم الحزب الجديد في متاهة التساوق مع الاساطير الصهيونية، التي لا أساس لها من الصحة، ولا تستقيم مع المنطق والحقائق التاريخية والثقافية والعمرانية، التي لا تشبه الصهاينة المستعمرين بشيء.  
ووفق التقرير اطنب رئيس حزب العمال في الحديث عن "معاداة السامية" و"معاداة الصهيونية" ومحاربة منظمة ال BDS حتى شبه بحاخام متطرف يخطب في كنيس يهودي، وليس زعيم حزب عمال بريطاني. مما ترك ردود فعل عديدة خاصة في أوساط انصار السلام في بريطانيا عموما، وبين اتباع الديانة اليهودية الذين يرفضون الممارسات والانتهاكات الاجرامية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. وعكس ابتذالا سياسيا يتعاكس ويتناقض مع التوجه العام لما يشهده الحزب من تحولات إيجابية تجاه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولم يحاول رئيس الحزب ستارمر ان يقارب بين دعم حقوق الفلسطينيين وارضاء أصدقاء إسرائيل في حزبه، كما فعل زعيم الحزب السابق ميليباند، وهو ابن احد اليهود الناجين من المحرقة، ومع ذلك اتخذ موقفا مناهضا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، واتخذ موقفا معارضا مع مجلس الممثلين اليهود في بريطانيا. ليس هذا فحسب، لا بل أنه دعا أعضاء الحزب لدعم مشروع الدولة الفلسطينية، الذي تم تمريره بغالبية مطلقة في البرلمان، ومع ذلك كان له مواقف معلنة ضد "معاداة السامية".
بيد ان زعيم الحزب الجديد جاء حاملا رؤية وخيار الحركة الصهيونية والحسابات الشخصية النفعية، الامر الذي اعتقد انه لن يخدم سياسة ودور ومكانة الحزب بالمعنى الاستراتيجي، لان هكذا سياسة اربكت الحزب وانصار السلام في بريطانيا، وتركت بصمات وندوب سوداء في مسيرة حزب العمال، وكأنه يعود بالتاريخ لزمن وعد بلفور المشؤوم، ويتنافس مع حزب المحافظين على استرضاء إسرائيل المارقة والخارجة على القانون مقابل كسب نفعي اني يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية وحقوق الانسان، ويغطي الشمس بغربال تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وهو ما يتطلب من تيار السلام في الحزب التصدي لستارمر واضرابه وإعادة الاعتبار لمواقف حزب العمال الإيجابية.
[email protected]
[email protected]