فدوى أبو ظاهر ومزون السندريلا

بي دي ان |

01 ديسمبر 2021 الساعة 12:27م

الشعر موسيقى الكون ولحن الحياة الذي عزفه الإنسان منذ بدايته الأولى، تغنى به وعبر من خلاله عن مكنوناته ولواعجه في أفراحه وأتراحه وما يجيش في النفس من خواطر وأشجان، فهذا الكائن السحري إن جاز المصطلح، كان ومازال الأبقى والأقدر على التعبير عن الذات الإنسانية من بين صنوف الفنون جميعا، ناوشه أدعياء فسقطوا عن صهوته وساسه مبدعون فانساق لهم وأعطى، فليس كل من نظم أبياتا صار شاعرا ولا كل من ادعى نال ذلك الشرف، فعلى الرغم من اكتظاظ الساحة بالأدعياء، إلا أن الأصوات المميزة تشق طريقها، دون التفات لكل الصخب الناتج عن النشاز الذي يطغى على السطح.
قبل شهر من الآن أهدتني الشاعرة/ فدوى أبو ظاهر ديوانها الأول "مزون السندريلا" الصادر عن دار الكلمة بغزة وكنت قبل ذلك بثلاث أو أربع سنوات لا أذكر بالضبط، قد سمعتها في إحدى الأمسيات، فلفت انتباهي حسن إلقائها وجزالة لفظها، لكني رغم ذلك أبديت لها بعض الملاحظات، التي ذكرتني بها قبل فترة وجيزة وكنت قد نسيتها.
 سمعتها بعد ذلك في أكثر من أمسية ولمست تطورا ينبئ بميلاد شاعرة تشق طريقها بثقة وخطو سليم، ففي هذا الديوان الذي يقع في نحو من مائة صفحة من القطع المتوسط، سطرت خلاصة تجربتها المعرفية والوجدانية بشكل إبداعي مميز، بدءا بالعنوان "مزون السندريلا" الذي يعني في إحدى تعريفاته المرأة الجميلة.. المثقفة..الواثقة..الخ، عاكسا بشكل أو بآخر شخصية الشاعرة التي وزعتها على العديد من قصائد الديوان، الذي استهلته بقصيدة " أنا فدوى"
أنا فدوى وسيدة النساء
وكم قيس يطوقه فضائي
وأحيي عمق أوردة بحرف
بحور الشعر بعض من عطائي
قوافي الوجد أنسجها من قصيد
فيبصر كحلها دان وناء
...
وفي قصيدة أخرى
لقد أوتيت سؤلك في اقتضاب
فاوصد دون حبي كل باب
كتبت الشعر تبيانا لنزحي
أنا ما ضاق صدري عن جواب
أما في قصيدة " ترجل" فتقول:
ترجل فوق عاصفتي
وصب الرعب في النار
توسط عمق أوردتي
وخذ من دمي الجاري
نماذج كثيرة تحمل ذات البوح المفعم بوهج اللغة وجمال الصورة المطرزة بإيقاع موسيقي تطرب له الأذن، تبرز بشكل واضح قدرة الشاعرة على تطويع اللغة وتوظيفها بشكل جزل.. سلس، مبني على  مخزون معرفي وثقافي واسع، تم تسخيره بحرفية واقتدار خدمة للنص، حيث بدا ذلك واضحا في اتكائها الواعي على المورث الديني والأدبي من خلال التناص الذي ظهر في العديد من النصوص، إضافة إلى صدق التجربة الشعورية التي يلمسها القارئ، بل ويعيشها في الكثير من النصوص.
طبعا هذا لا يعني خلو الديوان من هنات هنا أو هناك، ولا يجزم بأن القصائد جاءت جميعا على نفس المستوى من السبك والجمال، فالتباين واضح في عدد منها مثل قصيدة "عام مرير" التي كانت مباشرة وتقريرية إلى أبعد حد، 
عام جديد على الأبوابآتينا
عمر مديد على ماذا تنهونا؟
لم يدن خطأ دهر يواسينا
لا شيئ يسعدنا حتى اهالينا
إلا أن هذا لا ينفي عن الديوان جماليته ولا يحد من قيمته، فجهد الشاعرة واضح ومميز وهو جهد مشكور، ينبئ بموهبة مبدعة، ستصبح ذات يوم اسما مميزا في ساحة الإبداع إن هي واصلت السير بنفس الخطى ونفس الجهد.