نحو إدارة مجتمع مقاومة تؤمن بالتكافل والعدالة

بي دي ان |

29 نوفمبر 2021 الساعة 06:31م

تمثل الحاضنة الشعبية للمقاومة المجال الحيويّ تجاه قدرة المقاومة على ممارسة عملها وبناء قدراتها, فهي تعتبر السند الأول للمقاومة في إطار مواجهة مختلف أشكال الاحتلال المفروض على شعبنا, وبالطبع لا يمكن فهم قدرة المقاومة في مراحل تأسيسها الأولى واستمراريتها حتى وصولها لهذه المرحلة، بمعزلٍ عن البيئة الاجتماعية التي تغذّيها بشروط وجودها بالذات, لذا وعليه يمكن القول بأنه تشكلت عوامل ولادة المقاومة من رحم البيئة الاجتماعية، وهي ذات العوامل الداخلية التي تساهم بتحقيق أهداف المقاومة, وبهذا المعنى، تتوارى خلف بطولات المجاهدين والمقاومين تضحيات جمة يبذلها مجتمع بكامله، تضحيات تشمل الأرواح والأرزاق والعذابات لمجتمع وبيئة المقاومة، وهذه التضحيات تتناسل وتتوارث عبر عزائم ونفوس لا تلين ولا تستكين، وتنهل من تاريخ وذاكرة وهويّة وتنطوي بشكل عام في سياق توليفيّ وتبادليّ بين المقاومة من جهة والحاضنة الاجتماعية لها من جهة أخرى.

لذلك لا تعتبر المقاومة هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق أهداف المجتمعات وتطلعاتهم نحو الحرية والاستقلال والازدهار بما يحقق التنمية والإصلاح، وهذه الحالة لا يمكن الوصول إليها إلا بالاقتناع بمدى أهمية المجتمع والبيئة الحاضنة للمقاومة، ويتمثل العنصر الأهم لتحقيق ذلك وجود ما يمكن أن نطلق عليه "الإدارة المقاومة" التي تجمع بين خصائص الإدارة والقيادة، والتي تتفهم متطلبات المجتمع وتسعى نحو إيجاد أفكار إبداعية لدعم وتعزيز صمود المواطنين، واتباع أفكار خلاقة تجاه إرساء ثقافة اقتصاد ومجتمع المقاومة.

جاءت إنجازات المقاومة في كثير من المحطات نتيجة وعي وصمود وتحمل شعبنا ووقوفه بأظافره وأمعاء أطفاله الخاوية مع المقاومة ومساندته لها ورفضه لأن تكون غزة مستباحة لأليات وجنود الاحتلال، في ذات السياق هذا المجتمع الوفي والصامد والصابر مطلوب الوفاء عبر الإدارة المسؤولة عن حكم غزة، بغض النظر عن الولوج بتفاصيل ومبررات سياسية داخلية لا يريد المواطن الاستماع إليها، مع التأكيد على صعوبة الأوضاع الاقتصادية في غزة والتعقيدات العديدة التي تصاحب ذلك على مستوى التدخلات الخارجية.

في حوار صريح وواضح كعادته التي لم يألفها العديد من سياسيو الوطن بثت فضائية الميادين في الـ24 من نوفمبر الجاري مقابلة شاملة مع الأستاذ زياد النخالة "أبوطارق" الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين حول مختلف قضايا الشأن الفلسطيني، ومن ضمن المواقف التي صدرت عن الأستاذ زياد النخالة بأن  الاحتلال يريد تفكيك القنبلة الموقوتة "غزة" عبر تسهيلات وترويض لغزة,  وعبر عن استغراب حركته وتحفظها من قيام "حكومة غزة" بتسجيل أسماء عمال من غزة لأجل العمل داخل الكيان الصهيوني, مؤكداً على رفضه بأن تقوم المقاومة بدور الوكيل في هذا الجانب, وطالب بإيجاد طرق أخرى بعيدة عن هذا الجانب الذي له تكلفة خاصة وأن حاكمي غزة هم إحدى أذرع المقاومة  الرئيسية التي لا ينبغي أن يُسجل عليها موقف كهذا.

الأستاذ زياد النخالة أطلق فكرة مهمة وخلاقة، فهو لم يقوم بتشخيص المشكلة فقط، بل أوجد حلاً لأزمة تعتري المجتمع والبيئة الحاضنة للمقاومة في غزة، حيث تمحورت فكرته حول عدالة التوزيع والمساواة بين كافة المواطنين بما يخص مدخولات غزة وإيرادات الحكومة بها في ظل الحالة التي يعيشها المجتمع الذي تحاول ثمة جهات ممارسة سياسة كي الوعي ضده, وبالمناسبة نحن نتحدث عن مبادرة تُطلق عبر إحدى أكبر فصائل المقاومة بغزة من خلال أمين عام حركة الجهاد الإسلامي وهي تعني أن الرجل يمتلك صورة واضحة ويتابع التفاصيل الدقيقة للأوضاع بغزة ويعلم إمكانية أن يساهم تطبيق هذه الفكرة بتعزيز صمود المجتمع.

في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية أصبح من الضروري أن نفكر خارج الصندوق والصورة النمطية لإدارة المجتمع, ومن المهم أن تُحكم غزة بعقلية "إدارة المقاومة" التي تمتلك القدرة على قيادة وإدارة مجتمع مقاومة مبني على التكافل والتضامن وعدالة التوزيع للمدخولات المالية والمساواة بين كافة فئات المجتمع دون أي تمييز حتى نتمكن من مواجهة وعبور هذه المرحلة المليئة بالكثير من التعقيدات والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. إلخ

وينبغي التحرر من الحزبية بالتعاطي مع المبادرات الإبداعية وبالتالي التقاط مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأستاذ زياد النخالة التي طالب بها بضرورة الحفاظ على البيئة الاجتماعية والتوزيع العادل للمدخولات بهدف دعم وتعزيز صمود المجتمع, فالمطلوب تلقف هذه المبادرة ودراستها بكل عمق والبدء بتطبيقها, فإذا لم تنسجم المقاومة مع بيئتها الحاضنة ومجتمعها بكل فئاته ولم تحوّله الى "المحيط المائي الذي يسبح فيه سَمَكُها" - (تبعاً للمبدأ الذي كرّسه ماو تسي تونغ) فإن استمرار وجودها قد يصير عقدةً لا يمكن حلُّها - في قطاع غزة- وبالتالي منع قدرتها على تحقيق أي نجاح أو إنجاز في الضفة المحتلة كساحة مواجهة تشتعل تحتاج حركات المقاومة لتوجيهها وتعزيزها.