العروبة والقومية وجهان لعملة واحدة

بي دي ان |

14 نوفمبر 2021 الساعة 12:02ص

تطور الشعوب والأمم جاء نتاج تراكم اجتماعي اقتصادي معرفي، حيث مرت الجماعات البشرية الموزعة على خارطة الكرة الأرضية بحقب متعددة، ولم ترق لمستوى الامة هنا او هناك الا بتطور قوى وعلاقات الإنتاج والعقد الاجتماعي مع تشكل السوق القومي في حدود جغرافية واحدة، وتحت سيطرة وسيادة واحدة لشعب من الشعوب، الذي تشكل بالاتكاء على اللغة والثقافة والوحدة الجيوسياسية والقانونية مع انبلاج عصر النهضة الأوروبي بدءً من مطلع القرن السادس عشر في اوروبا، والانتقال من التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الاقطاعية إلى التشكيلة البرجوازية، التي فتحت أبواب الحرية الاجتماعية والاقتصادية للطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية بهدف استثمار قوة العمل وزيادة الأرباح لطبقة الأغنياء.
وللعلم كل النظريات الفكرية المادية والمثالية بمختلف مدارسها تبنت ودعمت ورسخت بناء الدولة القومية، والتي لم تخلُ أي منها من وجود اثنيات ومذاهب دينية مختلفة، واكتساب الدول طابعها القومي جاء ارتباطا بوجود ونفوذ الأكثرية ولغتها. مع العلم ان الدول الأوروبية المختلفة لم تتخذ نموذجا واحدا لبناء دولتها القومية، فالنموذج البريطاني يختلف عن الفرنسي عن الألماني عن الإيطالي، والنماذج الأوروبية، التي كرست الدولة القومية الكلاسيكية تختلف عن الدول القومية في العالم الثالث، نتاج هيمنة وسيطرة القوى الرأسمالية عليها، وتقاسم النفوذ فيها وعلى حساب تطور ونمو تلك الدول، واخضعتها للاستعمار القديم المباشر، وبعد الحرب العالمية الثانية لجأت لشكل الاستعمار الجديد. وبالتالي اعاقت تطورها، فضلا عن ان اقتصادات تلك الدول عانت من التشوه والبطء الشديد في النمو، وسيطر فيها أسلوب الإنتاج الاسيوي الرعوي والبدائي عموما.
بيد ان سيادة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الراسمالية وسم العالم بصبغته، وملامحه رغم الفوارق الكبيرة بين منسوب تطور دولة عن أخرى، وبعض الدول تمكنت من اللحاق بركب دول العالم الأول، واحتلت موقعا فيه مثال الصين والهند والأرجنتين واليابان ... إلخ
وللأسف العالم العربي لم يحظ بشروط تطور ملائمة اسوة بباقي شعوب الأرض، لانه تم استهدافه ككل وبعد تقسيمه استنادا الى مؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907واتفاقية سايكس بيكو 1916 وزرع إسرائيل على ارض فلسطين التاريخية بهدف تبديد المشروع القومي العربي النهضوي، الذي اخذ في التبلور نهايات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وعشية انهيار الإمبراطورية العثمانية مع ولوج الحرب العالمية الأولى 1914. وبقي العالم العربي مطاردا حتى يوم الدنيا هذا من قبل الغرب الرأسمالي وبشكل مباشر، وحارب الغرب الرأسمالي كل النظم ذات التوجه القومي او الوطني او الديمقراطي، وسعى ويسعى لتدمير وتمزيق الدولة الوطنية، ومع صعود العولمة المتوحشة الأميركية في اعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن العشرين قام بإنتاج وانشاء وتغذية الهويات القزمية ما بين الاثنية والدينية والطائفية والمذهبية بهدف الحؤول دون نهوض شعوب الامة العربية.
ولتحقيق هدفه الاستعماري حرف الغرب الرأسمالي وجهة ثورات الربيع العربي نهاية 2010، أي خلال العقد الماضي إلى وجهات لا تمت للربيع بصلة، وحولته إلى خريف وشتاء قارس جدا حتى يوم الدنيا هذا. وبالتالي محاكاة العروبة من قبل بعض الباحثين خارج سياقات التطور التاريخي والاجتماعي الاقتصادي، واستنادا إلى الواقع المهزوم والتشرذم السائد، فيه اجتزاء، وانتقاص من القراءة الموضوعية لتطور العلاقة بين العروبة والقومية، فالعروبة والقومية وجهان لعملة واحدة، لا يمكن الفصل بينها فصلا تعسفيا. كما لا يمكن خلط حقب التاريخ، وتشويه العلاقة بين العروبة والقومية. وأيضا لا يجوز قياس القومية العربية بالتجارب العربية، التي لم يحالفها الحظ في النجاح، ليس بسبب الديكتاتورية والتسلط، وان كان لذلك دورا بالضرورة، ولكن بسبب الحروب المباشرة وغير المباشرة في مصر والعراق وليبيا وسوريا والسودان والصومال وارتيريا ولبنان وحدث ولا حرج في فلسطين المنكوبة منذ عام 1948 من قبل الدول الامبريالية عموما وأميركا خصوصا، ومازال الـتآمر مستمر عليها وعلى كل العرب الوطنيين في أي بقعة من المحبط إلى الخليج.
بالتأكيد لا ينقص بعض الباحثين الدراية والمعرفة لتطور المشهد الاجتماعي الاقتصادي في الوطن العربي عموما ودوله ال22 على انفراد. وأود ان الفت النظر الى ان فصل المعرفة والثقافة عن البعد القومي فيه تشويه وتجني على القومية العربية، التي تبلورت في القرن التاسع عشر كأنوية حديثة، وليس قبل ذلك، وبالتالي ما سبق صعود الروح القومية العربية كان في اطار اجتماعي اقتصادي مختلف، حيث كانت دولة الخلافة الإسلامية ذات الطابع الاقتصادي الاجتماعي الثقافي الاقطاعي والبدائي عموما. ومع ذلك اسهمت الثقافة والمعرفة في الحضارة العربية الإسلامية في اغناء وتطور الثقافة العربية، ولم تلغها، ولم تؤثر على نهوضها القومي واكتسابها ملامحها وسماتها القومية الخاصة، بل العكس صحيح.
النتيجة الهامة الواجب اعتمادها في قراءة المسألة القومية العربية، أولا عدم الخلط بين مرحلة النهوض والتطور القومي وبين المراحل التاريخية السابقة؛ ثانيا عدم قياس نجاح او فشل التجربة القومية العربية بالتجارب التي لم تنجح؛ ثالثا القومية العربية جزء لا يتجزأ من سياق تطور اجتماعي اقتصادي عالمي. ولا يجوز الحديث عن قومية أميركية وهي كم هائل من اثنيات الدنيا كلها، وفي ذات الوقت نفيها عن القومية العربية ذات اللغة والتاريخ والحضارة والحدود الجغرافية المشتركة؛ رابعا كما لا يجوز اعتبار وجود القومية العربية نفيا للمواطنة ولاحترام حقوق الأقليات والمجموعات البشرية المتواجدة بين ظهرانية شعوب الامة، واسقاط مفاهيم لا تمت للواقع بصلة؛ خامسا لا يجوز قراءة القومية العربية في ظل الواقع القائم، والحرب المفتوحة من الغرب الرأسمالي على كل مظهر من مظاهر القومية العربية، لان هكذا قراءة تكون مبتسرة وناقصة ومشوهة وبعيدة عن الواقع العلمي. وللحديث بقية عن الموضوع.
[email protected]
[email protected]