حين تصبح البحار قبورا !

بي دي ان |

08 نوفمبر 2021 الساعة 05:39م

ربما لم اجد غرابة في مهاجرة نصف شباب غزة إلى الخارج، بل ولو هاجر جميعهم، فهجرة الشباب وتركهم لذويهم ووطنهم وأحلامهم المسلوبة، هي نتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي يعيشه أهل القطاع رغما عنهم وضد كل أمنياتهم، وربما بكاء الرجال على مشارف الموت وفِي عمق بحار ايجة ما بين تركيا واليونان، لم تكن الدموع الأولى والصراخ الذي عبر القارات "لم يكن الوجع الأول"، "يما ألحقيني السمك أكل أبو أدهم" هو ذاته الصوت المدوي كلما نجح شباب من غزة في الهرب من الموت الأكبر إلى الموت الأسوأ في غربة موحشة يغطيها سواد القهر والوحدة، فلطالما كنّا قديما نسمي السفر "رحلة سفر" لكنها الآن طريق الموت. 

ففيما تصرخ الرجال بين فكي القرش وفِي غياهب الظلام، وتنوح النساء والثكالى واليتامى الجدد بفعل ظلم الظالمين، الآمرين بسحق المواطنين المغلوبين على أمرهم والذين لا حول لهم ولا قوة، ينعم أبناء دعاة القادة والمسؤولين المرفهين على حساب المتأملين والمتألمين الذين تم طحنهم بمفاعيل ولاة أمر يقرأون المعوذات على أبنائهم فيما يقرأون الفاتحة على أبنائنا.

عودةٌ والعودة في هذا السياق غير محمودة، إلى بداية حكم لا يشبه حكم "حكومة وطن" إنهم فئة ضلوا الطريق فدفعنا نحن الثمن، لقد وعد المرشحون حين الانتخابات بحكم رغيد، رشيد، عتيد، فإذا نحن نحيا حياة لا حياة فيها، بل هي مرور أيام وسنوات عجاف لا خير فيها ولا فيها ما يسر الناخبين والناظرين بعين التمني، لقد عاث الحكام فسادا في الأرض وصالوا وجالوا بين المؤسسات والمحال والبسطات والأزقة لينتزعوا الضرائب والمال من الأشقياء وصغار  التجار والبسطاء الذين يصلون الفجر  ليسعوا في أرضه باحثين عن قوت أطفالهم، فيما يبيت الكثير من الأسر بأمعاء خاوية، وهذا ليس حال كل الشعب، فهناك من يسرق باسم الشعب ويتسول باسم الشعب وينعم بالثراء الفاحش باسم الشعب. 

في غزة حيتان يأكلون السمك الصغير، فيما يأكل قرش هناك غزاوي آخر في ايجة، ويبقى الغزاوي محاصر بين أنياب هنا وأنياب هناك، وولاة الأمر فيها ينعمون بما رزق الله الغزاوي الذي يعجز عن تحصيل ما رزق به، فعن أي وطن  تتحدثون وعلى أي مواطن تكذبون يا أنتم؟! 

ترى هل سمع الحكام عن قعر جهنم، وهل أدركوا حجم الأمانة التي يدعون ؟ ففي كل ليلة هنالك سبعون ألف امرأة يتضرعون إلى الله أن يخسف بالظالمين والفاسدين والعابثين بأرزاق الناس، والهادمين الطرقات، وسبعون ألف امرأة يحترق قلبها كلما أبحر قارب صغير  يحمل على كتفه، ابنها المقهور في ليلة عابسة قاتمة، فحين يضيق بالغزاوي بحر غزة، تصبح كل البحار لديه قبورا. 

فما آن موعد رحيلكم  كي نحيا؟ وتطير  النوارس كما قبل، وتعم الحياة ويزهر النوار من جديد ! أما آن موعد الرحيل !