مازال أبو علي حاضرا

بي دي ان |

05 نوفمبر 2021 الساعة 12:39ص

الصداقة الخالصة لا تقوم على روابط عائلية او تنظيمية او وظيفية، انما تكون انعكاسا لروابط ووشائج وعلاقات مشتركة بين شخصين بغض النظر عن جنسهما، واي كانت الفوارق الاجتماعية الطبقية او غيرها من منظومة العلاقات الثنائية بين بني الانسان، ومن المؤكد ان الكيميا تلعب دورا مهما في تعزيز او تفكيك أي علاقة، وليس المصلحة. وان كانت المصلحة عند الانتهازيين والوصوليين تلعب دورا مؤقتا ولحين انتهاء اشتراطاتها الانية، لانها سرعان ما تزول، وتنتفي مبررات وجودها من طرف او الطرفين.
الراحل الوطني الكبير أبو علي ناصر، ابن بيت حانون، القرية الفلسطينية الرابضة على حدود قطاع غزة الشمالية، من الشخصيات الآسرة والقريبة من القلب، لانه يمتاز بالطيبة والنبل والأخلاق الكريمة وبالكرم وبالوطنية الصادقة والبساطة. لا تكليف لديه، يقول رأيه بشجاعة وادب، تعامل بتواضع شديد مع كل من عرفه، لا يوجد في دنيا الانسان الدمث والخلوق محمد علي ناصر اية عقد. واسوة بغيره ممن تنقلوا في بلاد الاشقاء العرب استفاد من ثقافات وسلوكيات تلك الشعوب الإيجابية، والتي تعمقت خلال تجربة النضال، التي خاضها في صفوف الجبهة الشعبية، التي التحق بها مع خروجه لمصر لتحصيل التعليم الجامعي عام 1969/ 1970، والتي لم يطل الإقامة فيها نتاج التناقضات السياسية، التي برزت بين الشعبية والقيادة المصرية بعد طرح مبادرة روجرز، وزير خارجية اميركا آنذاك، وتم ترحيله مع عدد من رفاقه إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وهناك تعرفت عليه قبيل سفره للعراق لاستكمال دراسته الجامعية.
تدرج الراحل النبيل أبو علي ناصر في المواقع القيادية والتنظيمية والكفاحية في الساحات التي عمل فيها، في العراق كان عضو قيادة الساحة، وفي لبنان اختير عضوا في القيادة العسكرية، ورئيس تحرير مجلة "المقاتل الثوري" بالتلازم مع عضويته في اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، وفي سوريا عضو قيادة الساحة ومسؤول منظمة الشبيبة، وعندما عاد للوطن في عام 1994 وتحديدا لقطاع غزة واصل مهامه في الأطر القيادية وبقي عضوا في اللجنة المركزية للجبهة وعضو لجنة الرقابة المركزية إلى ان تخلى طوعا عن عضوية الهيئات القيادية في عام 2013 اسوة بعدد من القيادات لفتح المجال امام الأجيال الجديدة. لكنه بقي ملتزما بصفوف الشعبية، ومدافعا عن خيارها السياسي. كان أبو علي مدافعا صلبا عن الثورة وأهدافها في كل المحطات والمعارك التي شارك فيها، ولم يتخلَ يوما عن اهداف الشعب وثوابته الوطنية
كما عمل منذ عودته للوطن موظفا في وزارة الاقتصاد بدرجة مدير ومسؤلا ماليا لمحافظة شمال غزة الى ان احيل على التقاعد، وكان مثالا للموظف الأمين والصادق والحريص على مصالح المؤسسة والشعب، ونسج علاقات إيجابية مع جميع الموظفين والتجار وأصحاب المهن والشركات، وشكل نموذجا متميزا في نظافة الكف والسلوك، كما كان متفانيا في خدمة الجماهير الفلسطينية دون تمييز.
الراحل الوطني الكبير محمد علي ناصر كان عنوانا للاصالة والنخوة والاحترام المتبادل مع جميع من تعامل معه، والتقى به. وهذا التشخيص والتقييم حقيقي فعلا لا قولا، وليس على أرضية المقولة التي نرددها عندما نفقد انسانا "تذكروا محاسن امواتكم"، انما هو كذلك شخص نبيل ومتواضع، لا يتكلف نهائيا في علاقاته، ولا يكره، بل محبا للجميع، ومعطاءً، مع انه لا يهادن في الدفاع عن وجهة نظره السياسية والمعرفية. ويقبل الرأي الآخر بهدوء، واذا اخطأ يعترف بخطئه، ويعتذر، ولا يجد حرج بذلك.
أبو علي ناصر كان اخا وصديقا عزيزا، ربطتني به ومع زوجته اختنا ام علي علاقات وطيدة منذ تعارفنا في الأردن الشقيق، واستمرت العلاقة الأخوية ممتدة حتى الان، ولا يمكن لانسان تعرف عليه الا ان يتمسك بصداقته ويحرص على تعميقها. لانه اهل للصداقة الحقيقية القائمة على الاحترام المتبادل دون حسابات صغيرة.
رحل الصديق والاخ المناضل الوطني والديمقراطي أبو علي باكرا، وباكرا جدا. لذا كان رحيله صادما ومفاجئا لي ولكل من عرفه. لكنها دورة الحياة ومنطقها وصيرورتها، التي لا مراد لها، فالموت والحياة من الحقائق المطلقة، التي لا جدال فيها، ولا مجال للتمنيات والافتراضات، لانه عندما تحين الساعة تنتهي كل التقولات والتقديرات.
ورغم ان كلمة الوداع عادة تكون ممجوجة مع رحيل الاحبة والأصدقاء، لكن لا بد منها. نعم رحل الصديق الوفي أبو علي إلى دار الخلود، لكنه باق ابدا، وحاضرا بيننا بما مثله من نموذج للإنسان الأصيل والشجاع والمتفاني والمعطاء والمناضل الباسل، واحر التعازي القلبية لاختنا ام علي ولبناته نسرين ونفين وسالي وهبة وإبراهيم ولاشقائه جميعا ولرفاقه ومحبيه.
[email protected]
[email protected]