لبنان ينزلق نحو الحرب

بي دي ان |

15 أكتوبر 2021 الساعة 01:12ص

شهد لبنان أمس الخميس الموافق 14 أكتوبر 2021 تحولا خطيرا في مجرى الصراع المتقد تحت النيران، حيث قامت مجموعات مسلحة على الأرض وقناصة على أسطح البنايات في منطقة الطيونة وقصر العدل بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من حزب الله وحركة امل ومعهم المردة ضد القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، والذي اودى بحياة ما يزيد عن 214 ضحية وأكثر من 6500 جريح إضافة تهجير الالاف من السكان، الذين دمرت او تضررت مساكنهم المجاورة للمرفأ في منطقة الجميزة وغيرها من الاحياء.
وكما يعلم الجميع لبنان لم تكن أزمته مرهونة بتفجير الميناء، ولا بما نجم عنه من ضحايا وتدمير، انما أزمته أعمق من ذلك، وسابقة عليه، حيث شهد في 17 أكتوبر 2019 سلسلة من الاحتجاجات السلمية شملت كل المدن الرئيسية فيه من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب وبدأت احتجاجا على الضرائب المخططة على البنزين والدخان والمكالمات على الانترنت على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الواتساب. ثم تطورت لترقى لاحتجاجات على المنظومة السياسية كلها، ورفعوا آنذاك شعارات جلية عنوانها اسقاط المنظومة كلها، وهتفوا "كلن يعني كلن"، أي اسقاط كل رموز الحكم الطائفي والمذهبي، وملاحقة ظواهر الفساد المتأصل في مركبات النظام السياسي وقطاعه العام، و السخط من الركود الاقتصادي والبطالة، التي بلغت حوالي 46% عام 2018 والسرية المصرفية وفشل الحكومة في معالجة أزمات الكهرباء والماء والصرف الصحي والنفايات، والتي أدت تفاعلاتها لاستقالة حكومة سعد الحريري انذاك.
ونتيجة ما تقدم تعمقت أزمات الحكم والوطن اللبناني إن كان على المستوى الحكومي، او ما أعقب ذلك من سقوط مريع لليرة اللبنانية، وانخفاض حاد في مستوى المعيشة، وزيادة نسبة الفقر نتاج الإفلاس المالي والاقتصادي والاجتماعي، وارتفاع منسوب التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، وتحول لبنان الاخضر إلى دولة فاشلة بكل معايير الكلمة، ثم جاء الانفجار ليصب الزيت على النيران المشتعلة، الذي اسدل الستار على احتجاجات أكتوبر الشعبية، مع عوامل أخرى ابرزها نجاح القوى الطائفية وأصحاب الاجندات الإقليمية والدولية في افراغها من محتواها، وكسر إرادة الشعب.
وعليه بقي لبنان، رغم نجاحه في تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي قبل شهر موزع بين الطوائف وحسابات امرائها واجنداتهم المختلفة، وفي حالة استقطاب وتجاذب حاد بين الأقطاب المتناحرة، والتي تجلت في قضية تعيين القاضي بيطار، بعد ان تمكن تيار لبناني من اقالة القاضي السابق فادي صوان في شباط الماضي 2021، ووفق تصريحات ومواقف الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) ومعهما المردة بقيادة سليمان فرنجية وانصارهم من الإعلاميين بان القاضي بيطار "سيس" القضاء نتاج ملاحقته وطلبه التحقيق مع رئيس حكومة تسيير الاعمال السابق، حسان دياب وأربعة وزراء اخرين منهم وزير المالية السابق، حسن خليل، ووزير الاشغال السابق، غازي زعيتر بالإضافة لوزير الداخلية نهاد المشنوق، وبالتالي طالبوا في اجتماع الحكومة الأخير يوم الثلاثاء الماضي الموافق 12 أكتوبر الحالي بإقالة بيطار عن ملف التحقيق، مما اثار زوبعة داخل المجلس، وعطل اعمال اجتماع الحكومة، وتأجل ليوم الأربعاء اول امس، لكن التوتر بين الثلثين والثلث المعطل، الذي ادعى رئيس الحكومة الحالية عدم وجوده، حال دون عقد الاجتماع، وفتح الأفق نحو الانفجار.
وتعزيزا لذاك اول أمس الأربعاء أعلن سمير جعجع في كلمة له عبر الفضائيات اللبنانية عن إضاءة الصليب، الذي وصفه "بصليب المقاومة" مهددا ومتوعدا الثنائي الشيعي ومن يقف خلفهم بما في ذلك الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، دون ان يسميهم في التعرض للقاضي بيطار. وبالتالي لم يكن إطلاق الرصاص على مظاهرة الثنائي الشيعي ضد بيطار مفاجئا، والذي ادى إلى سقوط الضحايا الستة نهار أمس الخميس وعشرات الجرحى قبل عودة الاشتباكات مجددا مساءً، وهو ما يعني سقوط المزيد من الضحايا والجرحى، وزيادة جروح وانهيارات لبنان.
ووفق المصادر العليمة، فإن فرنسا ماكرون على ما يبدو رفعت يدها عن الحكومة، لاكتشافها ان هناك ثلثا معطلا عكس ما تم ابلاغهم من رئيس الحكومة، وهو ما يحمل في طياته ترك لبنان واقطابه يغرقون في دوامة المزيد من التمزق والاقتتال، الذي سيأكل الاخضر واليابس، ويستحضر مآسي الحرب الاهلية، التي استمرت من 1975 حتى 1990، ولا يعلم الا الله العواقب الخطيرة، التي تحملها الحرب الاهلية الجديدة، إذا ما بقيت شرارتها مشتعلة.
امام هذا الحدث المفجع والمريب، لا يملك الانسان إلا ان يتمنى للبنان الوطن والشعب الخروج سريعا من دوامة الحرب والفوضى، لأنها ضد الكل اللبناني، وليست ضد فريق دون الاخر. فهل يتوقف امراء الطوائف والحروب عن اجنداتهم التخريبية، ويعودوا لرشدهم لحماية لبنان من الإرهاب والفلتان الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
[email protected]
[email protected]