العامل الذاتي أساس التغيير

بي دي ان |

09 أكتوبر 2021 الساعة 06:57م

العامل الذاتي في مختلف مجالات الحياة الشخصية والمؤسساتية والوطنية يلعب دورا مقررا في صون الذات، والارتقاء بها، ومنحها القوة وإرادة التغيير لتحقيق الأهداف ان لم يكن دفعة واحدة فبالتدريج. لان العامل الموضوعي على أهميته كعامل حاسم يكون عادة مساعدا إيجابيا، او سلبيا. لكنه لا يحل محل العامل الذاتي، مهما كان تأثيره سلبا. وقد يبدأ الانسان كفرد او مجموعة أو حزب او شعب في رسم توجهاته وأهدافه من (الانا) معتمدا على قواه وطاقاته وقدراته في شق طريق الكفاح.  

ولا يكفي هنا وضع البرامج والخطط، انما بالربط العميق بين ما تقدم والممارسة العملية، واستخدام الاليات الأكثر ملائمة لتحقيق الأهداف والغايات، ورصد الامكانيات مهما كانت متواضعة ومحدودة. دون هذا الربط، والشروع بالعمل وفق الظروف المعقدة يصبح الحديث عن البرامج والطموحات مجرد لغو فارغ لا قيمة له، وينعكس سلبا على مستقبل الذات، ويعطي فرصة إيجابية للخصوم والاعداء للانتقاص من مكانة وقدر مطلق ذات، ليس هذا فحسب، انما والانقضاض على أي ذات مهما علا شأنها، وهزيمتها في عقر دارها. لأنها كشفت عن تناقض كبير بين الخطط والبرامج والممارسة، وكشف ظهرها، وعراها من عوامل القوة، التي لديها، وتم افراغها من مضمونها، وتركها تعاني العجز وندب الحظ العاثر، وتحميل العوامل الموضوعية المسؤولية تهربا من مكاشفة مكامن الخطيئة والتعثر والفساد في مكوناتها وقدراتها وممارساتها.

إذاً الاخر الموضوعي قد ينتقل للتقرير في شأن الذات ومستقبلها، ويحيلها إلى أداة في خدمة اهدفه، أي كان محتوى الأخر إذا ما تخلت طوعا عن حماية نفسها، والدفاع عن مصيرها ومستقبلها. وعندها تصبح (الانا) عبئا على نفسها، وعلى من يرتبط بها، ويشاركها الأهداف ذاتها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما انطلقت حركة فتح في مطلع العام 1965، لم تكن تملك شيئا يذكر لا مال، ولا سلاح بالمعنى الدقيق للكلمة، ولم يقف خلفها سوى إرادة مجموعة من الرجال وضعوا نصب اعينهم هدف الحرية، ووضعوا خطة بسيطة ومتواضعة تقوم على المبادرة بإعلان الكفاح المسلح على العدو الصهيوني، وكسر الطوق الرسمي العربي، الذي تبنى جزءا أساسيا منه الاعتماد على الحرب الكلاسيكية العربية، التي على أهميتها لم تتمكن من تحقيق الأهداف الوطنية والقومية لاعتبارات ذاتية وموضوعية، ليس هنا المكان المناسب لمناقشتها مجددا. والجزء الآخر (العربي) كان ضد أي عمل عسكري رسمي او شعبي لاعتباراته الخاصة، وكونه كان مرتبطا بسياسات النظام الغربي الرأسمالي.

المهم ان المجموعة الفتحاوية الصغيرة من قوات العاصفة نفذت اول عملية لها مطلع كانون ثاني / يناير 1965، وشقت الطريق مع اشعال شرارة الثورة المعاصرة، غير ابهة بما قيل عنها. ولم تتوقف كثيرا امام الاتهامات الباطلة لها من قبل المؤسسة الرسمية العربية، وواصلت مشوار الكفاح التحرري، رغم الصعاب والتحديات الضخمة والمتعددة وعلى أكثر من مستوى وصعيد. وكان لها قصب السبق على قوي وحركات وطنية وقومية اسبق منها في الوجود في الساحة الوطنية والقومية، واقوى منها في الإمكانيات، وتمكنت من الفوز في تبوأ المكانة، التي تستحق في أوساط الشعب والأمة والعالم بعد الانطلاقة الثانية في اعقاب هزيمة حزيران / يونيو 1967، واحتلت بجدارة محور الرحى في النضال الوطني بعد معركة الكرامة اذ1ار / مارس 1968 بالتكامل والتكافل مع الجيش الأردني الشقيق، الذي لعب دورا مركزيا آنذاك. لإن القوى الأخرى وخاصة قوى اليسار الفلسطيني الجديد تخلفت مرتين، مع انها اول من أطلق الكفاح، ولكنها لم تعلن عن ذلك في تشرين اول / أكتوبر 1964، خشية توريط الأنظمة العربية، وخاصة النظام المصري الشقيق بزعامة الخالد عبد الناصر، والثانية في معركة الكرامة عندما رفضت الاشتراك فيها بحجة، انها لن تدخل في معركة مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، بحكم تبنيها مبدأ وتكتيك حرب العصابات، ليس هذا فحسب، بل انها رفضت ان تتسلم منظمة التحرير، واستنكفت عن ذلك نتيجة مفاهيم يسارية ضبابية وخاطئة، وانتهجت تكتيكا مراهقا وصبيانيا، ففقدت الكثير من رصيدها ومكانتها الرئيسية في مركز القرار، رغم ثقلها وقوتها الواسعة آنذاك.

لذا تفوقت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح على الكم الكبير من قوى الثورة، واحتلت دون منازع موقعها الأول في الكفاح التحرري، وتولت مركز القرار في منظمة التحرير. ومازالت حتى اليوم تتربع على عرش القرار الوطني.

أحببت ان أورد هذا النموذج لتبيان أهمية ودور ومركزية الذات في اختراق كل المعيقات الموضوعية، الذي كرسته فتح، رغم وجود المعارضة الوطنية التاريخية كمنافس. لكن المعارضة كانت منقسمة على نفسها، ومازالت حتى اللحظة تعيش في حالة تآكل وتراجع باستثناء بيانات الشجب والادانة والاتهام لحركة فتح.

الخلاصة ونحن نعيش الان لحظة مفصلية من كفاحنا التحرري، وحيث يواجه مشروعنا الوطني مأزقا خطيرا بعد عقود ثلاثة من التوقيع على اتفاق أوسلو أيلول / سبتمبر 1993، الذي لم يحمل سوى الولايات، والمزيد من الاستيطان الاستعماري، وفقدان حل الدولتين رصيده، حتى بات قاب قوسين او أدنى في مهب الريح، فإن الضرورة تملي على صانع القرار وتحديدا حركة فتح المبادرة لتصويب المسار، ورفع سوية الكفاح التحرري عبر المقاومة الشعبية المنظمة والقادرة على رفع كلفة اثمان الاستعمار الإسرائيلي وكل من يقف خلفها. لا سيما وان هناك شبه اجماع بين قوى معسكر الأعداء ومن لف لفهم من عرب وعجم على تصفية القضية الوطنية عبر الحل الاقتصادي، ودحرجة القضية والمشروع الوطني إلى منزلقات النسيان، والتذويب. فإما ان نكون او لا نكون، وعلينا ان نشق عصا الطاعة، ونقلب الطاولة على رؤوس كل المتآمرين على حرية واستقلال الشعب وتقرير مصيره وعودته إلى دياره التي طرد منها في عام النكبة 1948 وعام الهزيمة والنكسة 1967. ولا خيار امامنا لتضييع الوقت، لأنه من ذهب، وان لم نقطعه سيقطعنا. فهل تلتقط حركة فتح الآن والآن فقط الفرصة وتستعيد عافيتها ومكانتها ودورها في قيادة الكفاح الوطني؟