عن ماذا نكتب؟!

بي دي ان |

04 أكتوبر 2021 الساعة 01:43ص

"نشأت سلطة تحكم، ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي ، يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة". جان جاك روسو". في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن التجارب الديمقراطية لدول قبل او بعد مرحلة الاستقلال، وأقول: تأملوا حياتنا..عن ماذا نكتب؟ تأملوا معي السذاجة السياسية والتسطيح والغباء، وغياب العدل والقانون، ورائحة الكذب التي تخرج من أفواه من يدعون السياسة.

عن ماذا نكتب؟ عن شبه كيانات منقسمة صهيونيا، وحزبية؟! وما كانت إلا إطارًا مشوَّهًا لضرورة تاريخية ومخطط صهيوني، وضع الوجود الوطني والقضية على المحك؛ واصبح العالم ينظر اليوم إلى قضية فلسطين ويضرب كفّاً بكفّ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار الاستقلال والحرية واعلان الدولة الحقيقية على الارض، فارتدّ بهمّة وتقلّبات وانقسام إلى الوراء ، إلى مجرد شبه كيان مجزآ ، يضحك فيها المسؤول على نفسه وعلى المواطنين بمانشيتات عن الاصلاح والعدالة الاجتماعية. وينشغلون بالسلطة. و اصبحوا مشروعا ضخما للفشل والكوارث علي كل الاصعدة وباتوا سببا رئيسيا في انهيار المشروع الوحدوي الوطني علي جميع المستويات.

عن ماذا نكتب؟ عن المسؤول الذي. يتلقى مئات الشكاوي لكنه  يملك من البلادة، فلا يقرأ الشكوى أصلا. و يتعامل مع الناس بتعالٍ مبالغ فيه ؛نكتب عن الفساد السياسي لهؤلاء، وابتعادهم عن الشعب، مما خلق حالة من الاستياء العام والغضب الشعبي. "لدرجة القرف"  فيميل الناس لتصديق أي شيء سلبي ضد اشباه الحكام، بغض النظر عن مدي دقته أو صحته أو مصداقيته ، وبغض النظر عن دوافعه الخفية أوانحيازاته الحقيقية ،فالمهم - عندهم - هو أن يكون ضد التركيبة المنتفعة المنقسمة، التي دفعتهم الي مربع الغضب و الاستياء؛ وفي الغالب تكون هذه الحالة مقدمة لرياح تغيير سياسي، حسب درجة النضج السياسي والاجتماعي.

عن ماذا نكتب؟ عن الكثيرين من الذين حصدوا المناصب والأموال من خلال خطاب حزبي إقصائي، انقسامي. ظلّ يتصدر المشهد منذ سنوات عجاف، والدورانُ في الدائرةِ الجهنمية المغلقة، مثلما تصدر البعض  مزادات بيع الوهم و المناصب، والوظائف؛ فالكل عرضة للنهب الدكتاتورى بوضح النهار؟! و هو ما أفضى في النهاية إلى التدهور السريع الذي شاهدناه ، كما ساهم بجزء كبير في حالة السخط الشعبي العام على نمط -شبه- حكم ، بشكل لم يسبق له مثيل في العصور الوسيطة.

عن ماذا نكتب؟ عن سنوات حكم طويلة ذاق الناس، كوارث متتالية ضاعف من مراراتها الإدارة السيئة وشبه - نظام فاسد، وقانونًا جائر.  مُصْلَتًا كالسيفِ على رقابِ الناس؛ يملك منهم حياتَهم ويحكمُ جميعَها قضًّا وقضيضًا، وأضحى الناسُ معهم عبيدًا لآرائهم واجتهاداتهم العشوائية؛ مبتعدين عن روحِ الديمقراطية والروح الوطنية الحرة..عن روحِ الوحدة، وعن مقصد الحكم الرشيد الأسمى، ابتعادا  يكاد يكون تاما ، وهكذا أمسى الشعب يتردَّدُ بين حقيقةَ الامر الواقع ، فلا انتخابات..ولا حق فى الاختيار ، ولا يحزنون ، فقط حكم لا قلبَ له، وجِسمًا تنعدمُ منه الروحُ، وممارسةً لا مضمونَ فيها. بل اسواء من الحكم الدكتاتوري الفاسد، الذي حكم فى العصور الظلامية. باعتباره مُلكًا أبديًّا لن يزول مهما حدث.

عن ماذا نكتب؟ عن  فشل إدارتهم الذي يتسبب في احتقان شعبي لا محالة، ام الانهيار السياسي، خاصة في ظل فهمهم لأزمة الشرعية السياسية وخلفيتهم السياسية، لذلك عزموا على إرهاق الناس في دوامات لا نهائية من الضرائب تفننوا في ابتداعها، وتسببت بخسائر فادحة من جهة، وإرهاق الناس من جهة أخرى، ولأن الكثير من المواطنين أصبحوا مطالبين بالدفع والسداد فقط بما لا يتناسب مع دخلهم على الإطلاق، وبرغم أن المواطن صابرا ومتحملا لأنه يعلم أن ذلك يتم بالاكراه، فى ظل غياب للقوانين والرقابة. فلا يدعون مجالًا للحنق.  ولفكرة التسليم بالأمر الواقع، وعلى العكس من الصورة النمطية حول سكون الناس واستسلامهم أمام جبروت ارادة الانقسام المتعجرف، والذين أثقلوا كواهلهم بالضرائب، و نهبوا الاردات  لمصالحهم الشخصية.

عن ماذا نكتب؟ فالجهل السياسي لا يأتي وحده أبدًا.. عادة ما يجىء مصحوبا بغطرسة! و هنا يواصل البعض أسلوبه في مخاطبة الناس كما لو كانت عقولهم لاغية. الواقع مؤلم وموجع ،إنما للصبر حدود، ولابد من إنقاذ ما تبقى من ماء وجهه الذي أريق أكثره ، أيها السادة :لقد إتسع الخرق على الراتق ، ولم يعد القب على العاتق. عن ماذا نكتب؟.