تبعات خطيرة للضرائب والبطالة!

بي دي ان |

27 سبتمبر 2021 الساعة 04:29م

الحوار الذي دار بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأحد ولاته، حول تطبيق حد السرقة، يستحق أن يكتب بماء الذهب. فقد سأل عمر بن الخطاب أحد ولاته : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟.قال الوالي : أقطع يده. قال عمر بن الخطاب : إذن فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك . إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها. إن الله خلق هذه الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.

 ولنا أن نسأل : بالمبدأ الذي وضعه الفاروق، للمسؤولين ، هل الأمر نفسه ينطبق عليهم  منذ تولوا. شبه حكم ؟.  وما الذي فعله هؤلاء فى الشأن الاقتصادي. خلال تلك السنوات؟ نتمنى أن يدلنا أحد على إنجاز اقتصادي، أو تنموي واحد ، قاموا به لمصلحة الشعب، أو حتى مسعى جاد منها لتوفير فرص عمل حقيقية للمواطنين، بمثل انشغالهم  بفرض الضرائب و الجباية الجائرة،
حيث قسوة الضرائب على المستورين وصلف المسؤولين!!

هي بهذا الشكل ضرائب وجبايات، بدائية متوحشة.  وسيف مسلط على رقاب العباد، بل إنها غرامات تحت عنوان الرسوم، تفرضها دوائر مختلفة متنافرة . لسهولة تطبيقها، ولعدم وجود رقابة ادارية، او قرار تشريعي، و لا تتطلب آليات معقدة، بل يكفي الوجود المتعجرف من قبل. مسؤول لفرضها. ولها تبعات مدمرة، وهي هبوط الأنشطة الاقتصادية نتيجة تزايد الضرائب والجمارك، وغلبة الضرائب على الاستهلاك أي تلك التي تقود مباشرة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، واغلاق المشاريع، وارتفاع نسبة البطالة، وانعدام العدالة في توزيع الأعباء.و يتم التركيز على الجانب الحسابي للضرائب والجبايات المختلفة، دون مراعاة العدالة في توزيع الأعباء والاعتبارات الاقتصادية. كالحصار  ونسبة البطالة المرتفعة.

وحين يجري الحديث عن تطبيق القانون، ينصب التركيز دوما على الواجبات المفروضة على المواطنين، دون اعتبار للاستحقاقات المطلوبة من الحكام وكبار  المسؤولين تجاه شعبهم!! وهذا نوع من الخلل - لو تعلمون - عظيم !.وبالتالي  يعاني الناس من السياسة الضريبية البدائية، والبطالة. من أزمة حقيقية تتجلى في تركيزها على الجانب المالي دون مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، والحصار والبطالة الأمر الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على مستوى المعيشة. للناس. الذين  يشعرون هذه الأيام، بأنهم باتوا مثل الأيتام على مائدة اللئام!!

أخيرًا وليس آخِرًا.. من روائع ابن خلدون رائد علم الاجتماع العربي، أنه كتب في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشرالميلادي:  عنـدمــا تـكثــر الجبــايـة تشرف الدولة على النهـايــة، وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) .. وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.

عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقا.. والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان.

و يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن الى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها الى حقائب.. والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات.
رحمك الله يا ابن خلدون.. هل كنت تتجسس المستقبل منذ سبعمائة عام؟!