لا تنحنوا كثيرا

بي دي ان |

30 أكتوبر 2020 الساعة 12:10ص

تمر في حياة الأفراد والأحزاب والمؤسسات والشعوب لحظات صعبة، ومنعطفات خطيرة تعصف بالإستقرار، وتهدد المستقبل، وتخلق جوا من الضبابية والغموض واللايقين بما ستؤول إليه الأمور بين قطاعات واسعة من المستهدفين، ليس هذا فحسب، انما تعمق حالة الإحباط والقنوط واليأس والقلق من بكرا، وترتفع نسبة الفاقدون للأمل، والباحثون عن ملاذ بابخس الأثمان، او اللجوء للهرب والهجرة، أو بيع المؤسسة بثمن بخس، وفي حالة الأحزاب قد تصل لحالة الإنقسام والإنشقاق، إن لم يتم ضبط ايقاع التنافر والتناقض، وفي وضع الشعوب تكون الأمور خليط من التيه والفوضى وتعمق الإضطراب خاصة عندما تنعدم الثقة بين القيادة والشعب، او تؤلب القوى المعادية الشعوب على قياداتها من خلال إستعمال ادواتها وعملائها ونفوذها المركب.
في مثل هذة المحطات الصعبة والإنعطافية تسلتزم الضرورة من اي مستوى قيادي إنطلاقا من الذات الفردية مرورا بكل المستويات حتى الشعب العمل على الآتي: اولا ضبط الحالة النفسية، وتعزيز شرط التماسك الداخلي، وإبعاد شبح الإنهيار والهزيمةعن البؤرة والنواة الصلبة؛ ثانيا وضع خطة طوارى لإيقاف التداعيات السلبية الناجمة عن المنعطف الحاصل؛ ثالثا تعميق وتعزيز العلاقة مع الإطار المحيط بدءً من "الأنا" وصولا للشعب، وتجسير العلاقة يحتم كسر منظومة واليات العمل السابقة، وإنتهاج سياسات جديدة أكثر تواضعا والتصاقا بعوامل القوة الباقية؛ رابعا حشد كل الإمكانيات الذاتية والنصيرة في الداخل والخارج لتعزيز الصمود؛ خامسا العمل وفق خطة سريعة لنقل الأزمة للآخر، والتخفيف من تداعياتها على الذات الفردية او الحزبية او الوطنية او القومية.
من المؤكد في الحالة الفلسطينية اغنت التجربة المريرة الخبرة والدراية في مواجهة التحديات والإنعطافات. لا سيما وان  الشعب عانى ويعاني منذ ما يزيد على السبعين عاما من النكبات والازمات المتلاحقة، والتي تعاظمت مع تبوأ الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة مطلع العام 2017، مع إشتراكه بثقل الولايات المتحدة، القوة العظمى الأولى في العالم حربا مباشرة مع اسرائيل وإلى جانبها المصالح الوطنية، مما أحدث ارباكا في إدارة الأزمة والسياسة الفلسطينية، رغم وضوح الرؤية، والنجاح في وضع النقاط على الحروف. بيد ان الترجمة لم ترق للمستوى المطلوب، وزاد من تفاقم التشويش عندما إنحدرت المنظومة العربية الرسمية إلى القاع إن بقي هناك قاع نتاج العصا الأميركية الغليظة، التي دمرت كل الموانع ونقاط الإرتكاز العربية الرسمية، ونجحت في إحداث إختراق حقيقي وواسع في المنظومة العربية تمثل بالإنهيارات في مركبات النظام الرسمي العربي في الثالث عشر من آب/ أغسطس الماضي (2020)، مع شروع الإمارات العربية المتحدة في الإستسلام، ولحق بها عدد من الأنظمة المتهافتة مع رضوخها لإملاءات العدو الصهيو اميركي المعادي السلام، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وقضيته واهدافه الوطنية. الأمر الذي املى على القيادة الفلسطينية التصدي لصفقة القرن وتداعياتها المختلفة، واشهارها سيف الرفض للسياسات العربية الإنهزامية المتخاذلة، وإستدعاء السفراء الفلسطينيين من بعض الدول المتورطة في التطبيع. والتحرك على المستوى الإقليمي والدولي بهدف تنشيط الحركة السياسية والديبلوماسية لتفعيل عملية السلام بالقدر الممكن والمتاح، وهو ما حصل فعلا يوم الإثنين الماضي الموافق 26/10/2020 في جلسة مجلس الأمن المفتوحة.
بيد ان الموقف الفلسطيني، الذي إنحنى امام العاصفة، ودَّور زوايا، لم يذهب بعيدا حد التطير، ونفذ خطوة عملية جدية على صعيد المصالحة، رغم ما شابها، ويشوبها من اللايقين في بلوغ اهدافها، إلا ان الموقف الفلسطيني واجه شيء من الإرباك والوهن لجهة أولا غياب التوازن في العلاقة مع  الدول العربية، وعدم الكيل بمكيال واحد تجاهها، واقصد المتورطون في التطبيع، او من يقفون خلفه؛ ثانيا زيادة نسبة الإنحناء امام العاصفة الخطيرة، ولهذا ثمن غالي على الموقف والمصالح الفلسطينية. لإن شدة الإنحناء تكسر الظهر، ولا تقويه، ولا تنقذ الذات والرأس الفلسطيني من مقصلة المطاردة والضغط لفرض الإملاءات عليها؛ ثالثا غياب الرؤية والخطة التكتيكية والإستراتيجية مع الحالة العربية؛ رابعا رغم وضوح الخطة والموقف الفلسطيني في العلاقة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، إلآ ان تنفيذها عاني من التعثر والإرباك والتردد عموما وفي ملف المقاومة الشعبية، وغياب دور الهيئات المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحديدا المجلس المركزي خصوصا.
نعم اتسم الموقف القيادي الفلسطيني في مواجهة صفقة ترامب، والسياسات والإنتهاكات الإسرائيلية الخطيرة بالشجاعة، لكنه ايضا عانى من القصور في اشكال المواجهة على الأرض، ولم تتمثل القوى السياسية دورها، ومازالت تعيش في حالة إنتظار، وترقب لعل حلولا تنزل عليها من السماء! من المؤكد لست مع التطرف، وضد التطير، وضد الفوضى، وضد التخلي عن اي ثابت من الثوابت الوطنية.  ولكني بذات القدر ضد الهبوط، والإنحناء الزائد وخاصة امام بعض القوى العربية الرسمية، التي تدير ملف التطبيع من خلف ستار واه، ومكشوفة ومعروفة لدينا جميعا. لذا نحن بحاجة إلى إعادة نظر في عدد من المفاصل وبهدوء وحكمة، ولكن بشجاعة وقوة، ودائما مع الفصل بين الحكام والشعوب، حيث لا يجوز الربط بين الشعوب ونخبها الوطنية والقومية والديمقراطية وبين بعض زمر الحكام الفاسدين، وتجار بيع الأمة، وليس قضية فلسطين فقط في سوق النخاسة الصهيو اميركي.
[email protected]
[email protected]