احجية المنحة القطرية

بي دي ان |

25 أغسطس 2021 الساعة 06:46ص

رغم إعلان كل من قطر والأمم المتحدة بالتوقيع على اتفاق يتضمن تولي المؤسسة الدولية الإشراف على توزيع المنحة القطرية خلال الأسبوع الماضي وبموافقة كل من حركة حماس ودولة الاستعمار الإسرائيلية على البرتوكول المذكور. بيد ان المنحة لم تشمل سوى عشرين مليونا من الثلاثين مليون دولار أميركي، لإن حكومة بينت / لبيد مازالت تدرس الأمر بمعاييرها الأمنية الخاصة، والعشرة ملايين الأخيرة بالنسبة للحركة، هي الأهم، لانها تتعلق بعناصرها ومحازبيها، وهي العشرة ملايين التشغيلية.
لذا لجأت قيادة حماس لخيار التصعيد على الغلاف الحدودي الفاصل بين القطاع ودولة المشروع الصهيوني بدءا من نهاية الأسبوع الماضي، وشمل التصعيد مظاهرات على الحدود، نتج عنها إصابة 41 مواطنا بالرصاص الحي والطاطي والقنابل الغازية، مقابل قنص احد جنود الاحتلال، وإطلاق بالونات، ردت عليه حكومة التغيير الإسرائيلية بقصف العديد من المواقع التابعة لحماس في المحافظات الجنوبية ليل الاثنين الثلاثاء الماضي. الا ان التواصل بين قيادة الانقلاب وإسرائيل لم يتوقف. وكان التصعيد والتصعيد المتبادل محسوبا، ولم يتجاوز السقف المسموح به.
مع ان الخطوات التصعيدية، التي نفذتها حركة حماس لم ترض الجانب المصري، لا بل انها اثارت استياء قادة جهاز المخابرات والقيادة المصرية عموما. مع ذلك جهات الاختصاص المصرية لم تتخلَ عن مساعيها ودورها في ترطيب الاجواء بين الطرفين. ولهذا قام وزير المخابرات يوم الأربعاء الماضي بزيارة لإسرائيل لبحث الملفات ذات الصلة بقطاع غزة. لكن مصر لم تمرر لحركة حماس التصعيد اثناء وبعد زيارة عباس كامل، ولجأت لبعض الخطوات لكبح جماحها.
ورغم التصعيد المتبادل، غير ان حكومة إسرائيل أرسلت رسالة واضحة لقيادة غزة المتنفذة عبر رسلها وجسورها مع حماس، ابلغتهم فيها، ان اللجوء لسياسة لي الأذرع لا تفيد، ولا تجدِ نفعا. وان القيادة الأمنية الإسرائيلية تبحث عن إيجاد مخارج لكيفية جديدة لتوزيع العشرة ملايين التشغيلية. لكن ان واصلت قيادة الانقلاب سياسة اطلاق البلالين الحارقة والمظاهرات وغيرها من الخطوات التصعيدية، سيكون لإسرائيل الرد المناسب، والذي لا يرضي حماس، وقد يحمل في طياته تداعيات أخرى، وان لم يقلها الوسطاء بشكل واضح وصريح.
ومن المتابعة لردود فعل قيادة الحركة في غزة، يبدو انها أدركت فحوى الرسالة جيدا، واعطت تعليمات أولية وسريعة امس الثلاثاء بوقف اطلاق البلالين على المستعمرات الإسرائيلية المحاذية للشريط الحدودي بانتظار ان تفي القيادة الإسرائيلية بوعدها، وإعطاء الضوء الأخضر لصرف الملايين التشغيلية العشرة. وهو ما سيتم خلال الأيام القادمة، وبعد اختبار الكيفية التي ستتعامل حماس فيها مع التحذير الإسرائيلي.
وعليه لاحظنا خلال الفترة الماضية، ان احجية المنحة القطرية ليست معقدة الفهم والحل، حيث تبين ان القيادة القطرية وحركة حماس لم ترغبا أيصال الأموال عبر السلطة الوطنية. ولهذا وضعت قطر العصي في دولايب الاقتراحات الإيجابية من قبل ممثل الحكومة. وكنت كتبت قبل اقل من أسبوعين عن الموضوع، واشرت، الى ان ممثل الحكومة القطرية رفض التعاون مع الاقتراحات الإيجابية التي عرضها وزير التنمية الاجتماعية، د احمد مجدلاني عليه، وكذلك رفضت القيادة الإسرائيلية وبنوكها تسهيل مهمة الحكومة الفلسطينية في إيصال المنحة لإصحابها المحتاجين في قطاع غزة. وهو ما اكد انهم جميعا (الأطراف الثلاثة قطر إسرائيل وحماس) لا يريدون دورا للسلطة الوطنية. مع ان بيني غانتس قبل أيام قليلة أكد، انه يبحث عن قيام السلطة بدور في إيصال أموال المنحة لإصحابها.
النتيجة الجلية من الاخذ والعطا، والشد والجذب في موضوع المنحة يشير إلى الآتي: أولا كلا الفريقين إسرائيل وحماس لا يريدا تصعيدا على الحدود، وكل ما يجري لا يتعدى المناورة من قبلهما لتحسين شروط كل منهما في كيفية صرف الثلاثين مليون دولار، وخاصة العشرة ملايين التشغيلية؛ ثانيا ابعاد السلطة الوطنية وحكومتها عن ملف المنحة القطرية؛ ثالثا حرص حكومة بينت / لبيد على استمرار سيطرة حماس على محافظات الجنوب، وقطع الطريق على اية آفاق إيجابية باتجاه المصالحة؛ رابعا على أهمية دور الوسيط المصري بينهما، بيد ان كل من إسرائيل وحماس تفضلا قنواتهم الخاصة المباشرة وغير المباشرة؛ خامسا أظهرت الوقائع بشكل جلي لا لبس فيه انتفاء اية انتصارات في مواجهات أيار / مايو الماضي، لإن قيمة اية انتصارات تتمثل بمردودها السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، الذي لا اثر له في الواقع.
[email protected]
[email protected]