لبنان دولة فاشلة

بي دي ان |

15 أغسطس 2021 الساعة 08:54ص

وصل لبنان الوطن والشعب إلى مرحلة غير مسبوقة من التراجع والإنهيار الاقتصادي والمالي والسياسي، وبات اسير حالة من العبثية تتجاوز حدود المنطق، وكأن المخطط الأميركي الذي أسس له بومبيو، وزير الخارجية السابق بنقاطه الخمس بات واقعا ملموسا، وليس مجرد سيناريو على الورق، ومن يعود لما أعدته إدارة الرئيس دونالد ترامب السابقة للبنان يراه بأم العين، ويعيشه ويتنفسه في ال10452 كيلو متر مربع، وهي مساحة و"طن المرجلة" و"الأرض الهدارة".
ولمن لا يعرف تقوم ركائز مخطط، رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق على التالي، أولا إحداث فراغ سياسي في الجمهورية اللبنانية، وهذا قائم على الأرض، لإن لبنان دون حكومة منذ اكثر من عام، حيث لم تتمكن الرئاسة من التوافق مع الرئيس المكلف السابق سعد الحريري، الذي استقال قبل نحو شهر، وجاء رئيسا مكلفا جديدا، هو نجيب ميقاتي، ولا اعلم ان كان يستطيع إعطاء الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل ما لم يعطه لهما الحريري؛ ثانيا ثانيا الانهيار المالي والنقدي، وهذا ما يعيشه المواطن اللبناني على مدار الساعة، حيث تهاوت قيمة الليرة اللبنانية من 1500 ليرة للدولار الواحد، حتى وصل الدولار الأميركي ما يوازي قرابة ال24 الف ليرة، نجم عن ذلك انخفاض حاد في مستوى المعيشة إلى حد لا يطاق، ولم يعد هناك ضابط للمعايير المالية، كما لم تتمكن البنوك من الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها، وحدث ولا حرج عن ارتفاع مهول لإسعار الدواء، المفقود أصلا، والمواد التموينية بما فيها الخبز، وإقتربت ان تكون من الكماليات، نتاج ارتفاع أسعارها؛ ثالثا الانهيار الاقتصادي العام، نعم لبنان الآن بلا اقتصاد، ويعمل المجتمع وفق مقولة دريد لحام "كل حارة مين ايده إله"، لا نظام، لا قانون، لا معايير، وكل امير حرب في حارته بيغزل كيف ما بدو؛ رابعا الفوضى والانهيار الأمني، ونلاحظ ان سلسلة مرتكزات السيناريو متكاملة، ومترابطة، وكل حلقة من الحلقات تكمل حلقات السلسلة الأخرى؛ خامسا بلوغ لبنان مرحلة الدولة الفاشلة، ووضعها تحت الوصاية الدولية. وهو ما يسعون له.
ومن يعود للخلف قليلا لقبل عام تحديا، أي لتفجير مرفأ بيروت، ويدقق في نتائجه، وما سبقه من تطورات، وما تلاه من احداث يلحظ ان لبنان يسير بخطى حثيثة نحو الإفلاس الكامل، لإنه وصل إلى القاع، نعم وصل إلى محطة الدولة الفاشلة، وهذا ما استبق إليه التطورات الرئيس الفرنسي ماكرون، عندما زار لبنان بعد تفجير الميناء في الرابع من أغسطس 2020، حين طالب أولا بايصال أموال الدعم لمستحقيها من الشعب، ثانيا تشكيل حكومة جديدة دون معايير اضلاع المثلث، وبعيدا عن الثلث المعطل والمحاصصة غير المقبولة، ولكن المستويات الثلاث في نظام الحكم مازالت تعتمد على الحساب الطائفي الصرف، وتمكنت من الالتفاف حتى اللحظة على الخطة الفرنسية، ليس بسبب شطارة وفهلوة مكوناتها الثلاث (الرئاسة والحكومة ومجلس النواب) وانما لإن الولايات المتحدة، تريد تشكيل لبنان القائم وفق معاييرها هي، وبما يخدم مصالحها ومصالح حليفتها الاستراتيجية إسرائيل.  
وتعميقا لحلقات السيناريو آنفة الذكر، تملي الضرورة التوقف امام فضيحة رفع الدعم عن المحروقات. حيث لاحظنا قبل 4 أيام بالضبط من نشر هذا المقال اعلان حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة عن رفع الدعم عن المحروقات، مما دفع اركان الحكم لشن هجوم واسع على الرجل. الامر الذي إضطره اول امس للرد على الجميع، وقال أن "جميع المعنيين كانوا يعلمون بالقرار، أي ان الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وبالتالي القرار ليس كما يصّور له." وأضاف "وانا اعتبر انه بدل القيام بهذة "المسرحية" إذهبوا إلى مجلس النواب، وأقروا قانونا يمول الإستيراد من الأحتياط الإلزامي." ولم يكتف بذلك، بل عمق فضيحة رجال الحكم، عندما أوضح قائلا، انه "من غير المقبول ان نستورد ب820 مليون دولار محروقات، ولا نرى لا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء. وهذا هو الذل بحد ذاته بحق اللبنانيين، وليست المواقف المتخذة من قبلنا."  وتابع يقول "نحن نمول تجار لا يقومون بإيصال البضاعة إلى الأسواق، وهنا المشكلة الأساسية، لذا لا يحاولن احد من رمي المسؤولية عليّ." وختم قائلا "انا حاكم المصرف المركزي، ولكن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل حاكم البلد." وبذلك بق البحصة، وكأنه أراد ان يقول، ان من قرر ذلك هو باسيل.
من خلال قراءة اللوحة اللبنانية نلحظ مجموعة مؤشرات، أولا غياب فعلي لقوى الثورة والتغيير؛ ثانيا مراوحة المجتمع اللبناني في مربع النظام الطائفي والمناطقي؛ ثالثا أصابع القوى الأجنبية الإقليمية والدولية عبثت، ومازالت تعبث بأمن ومستقبل لبنان الشعب والوطن؛ رابعا لا خروج للبنان من واقع الحال إلآ بالإنفكاك الكلي عن النظام الطائفي، وهذا ما عبر عنه الإعلامي أنطون خلفية في قناة "الجديد" اللبنانية قبل أسبوعين او اكثر قليلا، عندما حمل الشعب بكل قواه وقطاعاته المسؤولية عما آلت إليه الأمور، لإنه تعايش ويتعايش مع الواقع الطائفي المأساوي الذي يرزح تحت نتائجه المدمرة. ولا مستقبل للبنان إلآ بنهوض الشعب وقواه الديمقراطية، وبناء دولة المواطنة الكاملة بعيدا عن كل التقسيمات المهددة لوحدة المجتمع.
[email protected]
[email protected]