قراءة معمقة في جريمة نزار بنات وغيرها من الجرائم البشعة

بي دي ان |

28 يونيو 2021 الساعة 02:03ص

                 Dr. Montgomery Howwar    
تشكل ثقافة محاربة الجريمة وعدم تقبلها عنصرا أسايسيا في بناء نهج طويل الأمد في مكافحة الجريمة والعنف ونشر ثقافة عدم تقبلهما في أي مجتمع واع ومتعلم وصحي ولقد عكست جرائم القتل الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية تباينا واضحا لم يقتصر على الآراء فحسب بل امتد ليشمل الثقافة السائدة لنوذجين ثقافيين قدمتهما حركتي فتح وحماس في حكمهما وسيلقى هذا المقال بظلاله على هذين الاختلافين من خلال استنباط وتفسر طرق التفاعل مع الأحداث في الضفة وقطاع غزة وأتمنى أن تساهم دماء الأبرياء في فتح أعيننا على حقيقة ما يدور حولنا لنوقف الجميع عند مسئولياته ونلزمه بالقيام بواجباته كما ينبغي.

الجريمة السياسية في فلسطين، لا جديد فيها فهي تتكرر وتتشابه في الأسباب والدوافع واعتدنا أن يتناوب القاتل في ثلاث شخصيات بهدف السيطرة المُحكمة على الناس؛ وهم رجل دين في زي عسكري أو ضابط عسكري أو رجل حزبي، يرتكب جميعهم جرائمهم تحت غطاء فكرة ما والخطورة في الموضوع هو تجمع هذه الأفكار ووصولها إلى اعتقادات وثقافات راسخة يجب علينا التوقف عندها.

الأخ نزار بنات كمثال أول لم يكن مدانا ولم توجه له أي تهمة من أي جهة قانونية. المغدور  نزار بنات هو ناشط سياسي كفل له القانون الأساسي الفلسطيني حق التعبير عن الرأي وأي تجاوز من طرفه في هذا الشأن، كان يفترض أن يمثل نزار بنات بموجبه أمام قاض في محكمة ليحاسب بما يراه القاضي مناسبا وفق القوانين السائدة وعدم حدوث ذلك يعني أن هناك خلل كبير في الإجراءات التنفيذية التي حدثت على الأرض بين التعليمات الواردة وطريقة التعامل معها وتنفيذها مما أدى إلى قتله في جريمة بشعة تقشعر لها الأبدان ومنعا لأي لبس، نجدد رفضنا التام ونستكمل استهجاننا لهذه الجريمة النكراء ومطالبتنا بتقديم الجناة إلى المحكمة لينالوا العقاب الذي يستحقوه. ولو دققنا في ردود الفعل التي شهدناها فقد كانت في كثير من المواضع صحيحة وطبيعية وتعكس ثقافة استهجان القتل والانتهاكات التي تجري خارج القانون، وهذا ما أسست له السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. 

لمسنا رفضا قاطعا وواضحا دون خوف أو تردد لهذه الجريمة البشعة وخرجت المظاهرات للتنديد بها، في وقت تحاول فيه السلطة الفلسطينية فعل كل ما من شأنه امتصاص هذا الغضب الشعبي المبرر وبالمثل، لم يتردد أهلنا في قطاع غزة بالتنديد في هذه الجريمة والمطالبة بايقاع أقصى العقوبة على الجناة .
السلطة الفلسطينية المدانة للآن في قضية الشهيد نزار بنات هي ذاتها التي أسست قواعد الدولة وأرست أساسا متينا لاحترام اللوائح والقوانين الفلسطينية وهي من نشرت بشكل مباشر وغير مباشر ثقافة رفض الجريمة في الضفة الغربية وقطاع غزة  وهذا يبشر بخير أن هناك أمل لا يزال قائما بنشر ثقافة التسامح واحترام القانون وهي نقطة تحسب إلى السلطة الفلسطينية.
قبل ثلاثة أيام من جريمة نزار بنات في الضفة الغربية، جرت جريمة أخرى لا تقل بشاعة في قطاع غزة. قرأت في مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل شاب من العامة من عائلة البيطار وسبقها جريمة قتل أخرى داخل سجون حركة حماس في غزة لشاب من عائلة السعافين لم يسمع أهلنا في الضفة الغربية والشتات عن هاتين الجريمتين ولا على العشرات من شاكلتها ولم يتناول أهلنا في غزة الحدثين ولم يحركوا ساكنا ولم نشهد أي حراك !!! وكأن أهلنا في غزة اعتادوا على لغة القتل واستباحة الدم في القطاع والأدهى من ذلك انتشار ثقافة تقبل الجريمة وأتمنى ألا تكون ثقافة الخنوع قد انتشرت فأهلنا في غزة هم رمز للرجولة والعطاء والإقدام والسؤال الذي نطرحه: هل أخفقت حركة حماس في نشر ثقافة استهجان الجرائم على الأقل؟! وهل فقد كتاب قطاع غزة ومثقفوها، على اختلاف ألوانهم وأطيافهم، ثقافة استهجان الجرائم وفضحها؟!

ننقسم نحن الفلسطيون مع الأسف الى شطرين يتوافقان في الهدف الأسمى وهو تحرير الأرض ويختلفان في الايدولوجيات والأساليب وأتمنى على الطرفين أن يراجعا حساباتهما تجاه الثقافات التي زرعاها.
إن جرائم القتل مدانة جملة وتفصيلا وعلينا محاسبة المجرمين والجناة. يجب ألا يضيع حق نزار بنات في الضفة الغربية ولا البيطار والسعافين وغيرهم من العشرات في قطاع غزة. شكرا لنزار بنات ولمن سبقوه من الضحايا فدماؤكم الزكية فتحت أعيننا على مواضع عدة وخلل كبيرينتاب مجتمعنا الفلسطيني. 

لقد حصد كل حزب ما زرع  عندما مثلت دماء الضحايا أمثلة حية لما يدور في مجتمعنا وأشارت إلى وجود أياد خبيثة تهدف إلى زعزعة الأمن وبث مزيد من الفتنة والحقد والكراهية. تعجبنا الصدمة الاجتماعية والانسانية الصادرة عن كل شريف وحر وكل مستهجن لثقافة القتل والتكنيل والخروج عن اللوائح والقوانين. أرجوكم لا تدعوا هذه الجرائم تمر مرور الكرام. نجحت السلطة الفلسطينية في زرع ثقافة القانون بين فئات الشعب المختلفة، فالناس تحت مظلتها يجرمون المساس بالقانون وبسيادته، وبامكانهم الخروج في مظاهرات للتنديد بالجريمة ويمكن لمنظمات حقوق الانسان أن تراقب وترصد الانتهاكات والتجاوزات في أداء الأجهزة التنفيذية وتقدم الأدلة والبراهين للمجتمعين المحلي والدولي.

نزار بنات والسعافين والبيطار... أحزنني رحيلكم بهذه الطريقة ولكني حزين أيضا الآن على السلطة الفلسطينية فما أكثر أعداءها والمتربصين بها وبأجهزتها في وقت يحاول الطامعون نهشها لإنهائها حتى يكونوا بديلا عن نظام الحكم فقط لا غير. لا يأبهون لا بنزار بنات ولا بدمائه ولا دماء غيره وخير دليل الاستغلال غير الأخلاقي الذي يمارس ضدها وضد أجهزتها الأمنية التي قدمت التضحيات والشهداء. 
رسالتنا إلى العابثين والمتربصين:
إن السلطة الفلسطينية هي نتاج مسيرة طويلة من التضحيات التي عمدت بدماء شهدائنا في الداخل والخارج. سمحت لنا هذه السلطة أن ندير أمورنا الذاتية ووفرت لنا امتيازات تمثلت في جواز سفر فلسطيني رافقه عودة أكثر من ثلاثين ألف نازح، حسب الاحصاءات الرسمية والعدد أكبر من ذلك بكثير، ممن تقطعت بهم سبل العيش الكريم في الدول التي كانوا يقطنون بها وبعد أن أقفلت الدول العربية حدودها أمامهم. بموجب هذه السلطة، أصبح لدينا مجلس تشريعي يشكل نواة دولة.
أحدثت هذه السلطة تحولا جوهريا بعد عودتها الى أرض الوطن حيث أصبح قطاع غزة والضفة الغربية ساحة الصراع الرئيسة لمقاومة المحتل داخليا وفي المحافل الدولية وخير دليل أنتم ونحن وهم وهو وهي. جميعنا يعلم أن مشروع السلطة لم يأت كامل أكله وأنه جاء مخيب للآمال ودون التوقعات المرجوة جراء التعنت الاسرائيلي في بحث الملفات العالقة والتي كان من أبرزها اقامة دولة فلسطينية خلال خمس سنوات، فواصلنا نحن الفلسطينيون النضال ولم نتوقف وبقيت قضيتنا حية.
أتفق مع الجميع أن هناك سلبيات وتجاوزات ولكن هذا مدان جملة وتفصيلا من أعلى الهرم الى أسفله. انتبهوا جيدا أن ما يميز السلطة عن غيرها أن هناك منطق سائد واجماع بتقويم الأخطاء وأخذ العبر منها وعدم تكرارها مرة أخرى. إن الدعوات التي تخرج من هنا وهناك لحل السلطة وتسليم المفاتيح الى الاحتلال لا يمت للوطنية بصلة. الشعب الفلسطيني موجود في هذه الأرض ومتجذر بها من آلاف السنين كجبال عيبال وجزين والجرمق وكأشجار الزيتون. فكيف لكم أن تطالبوا بهدم هذه الجبال واقتلاع الاشجار. قد نتفق على أداء الرئيس ورئيس حكومته في مواطن وقد نختلف في مواطن أخرى ولكن يسجل للقيادة الفلسطينية أنها أعطت ايلاما واهتماما للحقوق المدنية ولدائرة المظالم والهيئة المستقلة لحقوق الانسان. 
أيها العابثون، لو دمرت السلطة الفلسطينية، ستلحقون بها جميعا. لن تكونوا بديلا وستنتهي اللعبة معكم أيضا ولن تنفعكم أي دولة تدعمكم لهز السلطة الفلسطينية.
رسالتي الى السلطة الفلسطينية 
ان قتل نزار بنات خلل، ومحاولة ردم قضيته خلل، والتسحيج لكم خلل، حتى الاختلاف في كيفية التعامل مع قضية نزار وغيره خلل، وفشل الثوري في احقاق حقوق الموظفين خلل، واستباحة الدم الفلسطيني في غزة خلل، والترويج للفتنة خلل. وتقبل حماس لثقافة القتل والاعدام الميداني في قطاع غزة خلل، الخنوع والاضطهاد السائد خلل، ولكن أتعلمون متى بدأ هذا الخلل؟! 
لقد بدأ يوم أن قتلت حركة حماس العقيد راجح أبو لحية ابن جهاز الشرطة المدنية وتم الصمت على ذلك ومر قتله مرور الكرام، تواصل الخلل حين تم اطلاق النار على المقرات الأمنية التابعة للسلطة لشهور عدة ولم تحرك السلطة ساكنا حقنا للدماء. تواصل الخلل حين قتل قرابة الألف بريء من أبناء الأجهزة الأمنية وأبناء فتح في قطاع غزة على يد ميليشيات حماس ناهيك عن الآلاف الذين لحق بهم أذى جسدي بليغ من اعاقات جسدية مستديمة ولا يستطيعوا الان القيام بأي عمل ولم تفعل السلطة شيئا حتى على صعيد الاعلام وصمتت السلطة ولم يحدث شيء، تواصل الخلل حين صمتت السلطة الفلسطينية على لغة التخوين ضدها ولم تقاضي مروجيها، تواصل الخلل حين أقصت صقورها واعتبرتهم أعدادا زائدة مما ترتب عليه صعود الجهلاء إلى صدارة المشهد. أتذكرون أطفال بعلوشة الثلاثة الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات كيف قتلتهم حركة حماس أو على الأقل كيف حمت حماس قاتليهم ولم تقدمهم للمحاكمة حتى هذه اللحظة؟!! ستظل دماؤهم البريئة والزكية تلاحق القتلة إلى يوم الدين وإن لم تحاسبهم عدالة الأرض، ستحاسبهم عدالة السماء.
 قفوا فإنكم محاسبون أمام الله والشعب لقد وصلت الضغينة والكراهية والكذب والنفاق في مجتمعنا حد لا يمكن السكوت عليه. لسنا دولة ولسنا نظاما عربيا قائما وواثقا من نفسه الى هذا الحد. عودوا للبدايات فلم تشرحوا شيئا وعرفوا الناس من هي السلطة ومن هي فتح. عرفوا الأخلاق والتسامح واستثمروا في العنصر البشري وتواصلوا مع القواعد العريضة المهمشة في قطاع غزة والضفة الغربية. قدموا الحقيقة للناس كما هي فالحقيقة لا تحتاج الى مبررات ولا لشرح. ارفعوا الغمامة عن أعين الناس باطلاعهم على ما هو قادم. ضعوا من لا حول لهم ولا قوة الا التنفيذ جانبا، التفتوا حولكم لتروا حجم الطاقات والكفاءات من أبناء حركة فتح وغيرها من الفصائل والمستقلين التي يقدر أعدادهم بعشرات الآلاف في قطاع غزة والضفة الغربية والشتات. والأمانة في هذه المرحلة في أعناقكم وأعناق المثقفين والمعلمين ورجال الدين لوقف كل ما يدور والعمل على نشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر.

بناء على كل ما سبق، أطالب الرئيس محمود عباس باصدار مرسوم ، أولا وقبل أي شي، باعتبارالمجني عليه نزار بنات شهيد الكلمة وشهيد الوطن، ثم اصدار مرسوم آخر بضرورة اتخاذ ما يكفل من سلامة الإجراءات التنفيذية لأفراد قوى الأمن، ثم متابعة تقديم الجناة إلى المحكمة لينالوا العقاب الذي يستحقوه وإياكم أن تخرج علينا لجنة التحقيق بقرارات لمحاسبة الفاعلين فهذا ليس دورها، فدورها الحقيقي هو الوقوف على حقيقة ما حدث لمراجعة هذه القوانين لضمان عدم تكرار هذا الحادث الأليم. 
بالاضافة إلى ذلك، ليكن الإعلام التنويري محط اهتمامكم ولا تسيروا على خطى الدول العربية في عدم اهتمامها بالاعلام ووسائله والآن يقف الجميع ليتلقى ضربات المتربصين والمتآمرين جراء ذلك وتواصلوا مع قواعدكم العريضة لكسر هوة الاتصال والتواصل المستمرة والذي من شأنه ترك المجال أمام العابثين والطامعين والمتربصين.