مؤشرات الحرب الاهلية

بي دي ان |

11 أكتوبر 2020 الساعة 10:43ص

عمليات تفكيك وهدم المجتمعات والدول عموما الصغيرة والكبيرة على حد سواء تحدث غالبا بالتدريج مع سيرورة إتساع دائرة الصراع والتناقضات بين الفئات والشرائح والطبقات الإجتماعية، او بين الجماعات والفرق الدينية والطائفية والمذهبية، او المجموعات الأثنية أو القوى والحركات السياسية المتنافسة، او قد تكون نتاج إنقلاب عسكري مفاجىء ينجم عنه صراع بين الموالاة والمعارضة مما يؤدي لتمزيق وحدة الأرض والنسيج الإجتماعي والثقافي  وفقا لخاصيات وسمات كل مجتمع، التي تسبغ اشكال الصراع بملامحها.
الولايات المتحدة الأميركية، إمبراطورية العصر الحديث بلغت مرحلة الشيخوخة والعجز، وأخذت تتراجع مكانتها في الداخل والخارج، رغم كل مظاهر القوة البائنة والمتجلية في الواقع، التي تظهر عكس ما تبطن من عوامل التهتك النسيجي على المستويات المختلفة، كونها تعيش أزمات بنيوية متعددة إجتماعية طبقية وإثنية ودينية وثقافية وعنصرية، والتي تجلت في ولاية الرئيس ترامب بأسوأ واعقد واعمق من اي مرحلة سابقة، لانها ولجت لحظة تاريخية غامضة وملتبسة تشوبها الكثير من السيناريوهات يقف في طليعتها إنفجار الحرب الأهلية. والتي لا تعتبر فرضية رغبوية أو إرادوية، وانما إدراك وإحساس الشارع والنخب السياسية من الحزبين وغيرهما، إضافة إلى ان أجهزة الأمن باتت تضعها كاولوية في حساباتها.
ولم يعد يقتصر التقدير على الداخل الأميركي، انما بدت دول الجوار مثل كندا تضع في قراءتها للواقع الأميركي هذة الفرضية، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو يوم الخميس الماضي (8/10/2020) في مؤتمر صحفي، عندما اشار إلى ان حكومته تخشى حدوث "بعض الإضطرابات" في الولايات المتحدة في حال تحقيق نتيجة متقاربة بين المرشحين في الإنتخابات الرئاسية القادمة ، (3/11/2020) مؤكدا ان بلاده مستعدة لجميع السيناريوهات المحتملة.
وقد يكون الإنفجار سابقا على الإنتخابات ليقطع الطريق امام إجرائها. ولعل ما كشفت عنه ال(اف بي أي) ايضا يوم الخميس الماضي عن إعتقال 13 متهما بالعمل على إرتكاب جريمتين خطيرتين، تهددان الأمن القومي الأميركي من الداخل، الأولى تتمثل في إختطاف حاكمة ولاية ميتشغن الديمقراطية، غريتشن ويتمر، والمعارضة بقوة للرئيس الجمهوري المتطرف، وهو ما افاد عنه محضر الإتهام الموجه لستة منهم؛ والثانية كما ذكرت وزيرة العدل في نفس الولاية، دانا نيسيل، ان سبعة رجال آخرين ينتمون إلى المجموعة اليمينية المتطرفة ذاتها وتدعى "وولفيرين ووتشمين" أوقفوا بتهمة التخطيط لعملية إقتحام الكابيتول (مبنى الكونغرس ) وخطف مسؤولين في الحكومة بمن فيهم حاكمة الولاية." وكلا  العمليتين تتبع لذات المجموعة الصغيرة المتطرفة، وتهدف لإشعال نيران الحرب الأهلية. وكان الإعتقال تم مع بداية العام الحالي، ولكن نتائج التحقيق نشرت قبل يومين.
وعقبت الحاكمة ويتمر على الجريمة، التي كانت تستهدفها، بإتهام الرئيس ترامب ب"إضفاء الشرعية" على أعمال "إرهابي الداخل"، خصوصا عبر رفضه إدانة أنصار تفوق البيض قبل عشرة ايام خلال المناظرة مع منافسه الديمقراطي بايدن. ولتأكيد نزعاته العداونية لم يعبر الرئيس الجمهوري عن تعاطفه مع ويتمر نهائيا، رغم انه عاتبها، عندما غرد على توتير وكتب "بدلا من ان تشكرني" على عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي "تصفني بأنني من مؤيدي تفوق البيض." ولنلاحظ انه بات يتلون، ويكذب كما يتنفس، مدعيا انه للكل الأميركي، وهذا غير صحيح، لإن هذا الخطاب جديد، ولا يمت بصلة لترامب العنصري. واضاف لتحسين صورته بالإدعاء، أنه لن يتسامح "مع اي عنف كبير ( وإذا كان العنف صغيرا، كما قتل جورج فلويد سيكون مقبولا، هل ستتسامح معه؟)، والدفاع عن كل الأميركيين، وحتى الذين يعارضونني، أو يهاجمونني." بغض النظر عن اكاذيب الرئيس ترامب، التي يعرفها الجمهور الأميركي جيدا، فإن المشهد الأميركي دخل مرحلة غاية في الصعوبة، ومفتوحة على كل الإحتمالات. لإن عصابات المتطرفين البيض لن تتوقف عند حدود ما تم، ولن تسلم بما حصل مع ال13 متهما، بل ستتابع هي وغيرها من العصابات الإستعداد لتنفيذ عمليات أخرى، لإشعال الحرب الأهلية، الذي هو خيار ترامب ومن لف لفه، وما فتح موضوع الرسائل الأليكترونية ضد منافست السابقة هيلاري كلينتون إلآ فتيل آخر لتسعير التناقضات بين الحزبين وفي اوساط الشعب. المؤكد ان تاجر العقارات الفاسد يقف خلف كل العصابات العنصرية ويغذيها بتفوهاته الإستفزازية والمتغطرسة، وبايحاءته وعبر ادواته. أميركا ماضية للمجهول.
[email protected]
[email protected]