"فتح".. أوسلو 1 "حماس".. أوسلو 2

بي دي ان |

24 مايو 2021 الساعة 03:01ص

في غمار هذه الجولة من الحرب، قيل كل شيء فيها من تحرير القدس إلى فتح صفد إلى تفكك إسرائيل، إلى اندلاع الانتفاضة الثالثة التي ستكون أكبر وأوسع وأعمق من كل سابقاتها.

وفي مناخ الحرب خصوصاً حين تكون الضحايا البشرية والمادية كثيرة وموجعة، ويكون الصمود والثبات أسطورياً إذا ما نظر لحجم القوة المعادية، فلا مناص من أن يتسلّل تحت جنح هذا القول الكثير والكثير من الأصوات الخجولة التي تدعو إلى التواضع في التقديرات، بما في ذلك اعتبار الحرب العسكرية كما لو أنها «خصم الحراك الشعبي» حتى قيل إن صواريخ «حماس» سلبت حراك القدس رونقه وإيقاعه وحتى نتائجه.

حروب الفلسطينيين منذ أن بدأت قضيتهم لم تحكم يوماً بميزان قوة كتلك المتعارف عليها في كل الحروب التقليدية، وحتى حروب التحرر الوطني منذ أيقونة حرب التحرير الجزائرية إلى حرب فيتنام وما قبلهما وما بعدهما من حروب لم تتوقف.

إلا أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفي كل فصوله وجولاته، حكمته موازين خاصة كانت القوة التقليدية المتفوقة على الجانب الآخر تواجه بعناصر قوة غير معترف بها في الحروب التقليدية، مثل العناد وتحييد الخسائر الفادحة عن تقرير النتائج النهائية، في حياة الفلسطينيين تكون نهاية جولة بمثابة ذهاب إلى جولة جديدة.
النصر بالنسبة للفلسطينيين هو البقاء على قيد الحياة وبقاء القضية قيد التداول، أما النصر المرتجى عند الإسرائيليين فهو دائماً يبدو بعيداً أو مبتعداً ولم يصل يوماً ولن يصل إلى أن يضع النقطة الأخيرة في نهاية السطر الأخير.

غير أن الفلسطينيين الذين يتحدون في الهوية والانتماء والحلم، يدركون أكثر من غيرهم، وهم المحاربون الأشداء، أن الخلاصة السياسية للحروب، خصوصاً في القرن الحادي والعشرين، لا يضعها المتحاربون وحدهم بل تضعها معادلة دولية، فالمتحاربون يوصلون الأمور إلى مشارف التسوية، والعالم يقرر ما إذا اتفقت مصالح القوى النافذة فيه على حتمية إنجازها أو حتى اقتراحها، حدث ذلك في قرار التقسيم الذي صدر في عام 1947، حين اتفق العالم على حل مبكر ونهائي لحرب الفلسطينيين والإسرائيليين، كما حدث ذلك في زمن مدريد وأوسلو، حيث الاتفاق الدولي على الحل المتدرج للقضية الفلسطينية ببداياته شديدة التواضع في حينه «غزة أريحا أولاً» فأذعن الإسرائيليون على مضض، وقبل الفلسطينيون على أمل. ولعل هذا من خصوصيات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، أن نجحت إسرائيل في تقويض الفرصة بحكم أنها القوة الأكثر قدرة على السلب، وفشل الفلسطينيون في جعل الأمل حقيقة على الأرض.
ووفق قانون الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الخاص فما أسرع أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر أو ما دونها، وأن تتحول الآمال إلى عكسها تماماً! وهذا ما حدث مع أوسلو ووعودها.

أمامنا الآن سؤال قديم جديد يقول: إلى أي الخلاصات السياسية سيفضي الصراع المحتدم بجولاته المتكررة ونتائجه المتكررة كذلك؟ ونظراً للرمال المتحركة التي يقف عليها الوضع الدولي بمستجداته، فلا قراءات يقينية للخلاصات يمكن تحديدها إلا أن الممكن موضوعياً قراءة الاحتمالات.

بين الفلسطينيين والإسرائيليين هنالك تكافؤ في القدرات على إدامة الصراع لا حسمه، فالإسرائيليون يواصلون اعتناق مستحيل إخضاع الفلسطينيين كما لو أنه ممكن بفعل القوة المادية المتفوقة، والفلسطينيون بالمقابل يواصلون اعتناق حقوقهم حتى لو أدى الأمر بهم إلى خوض معارك انتحارية من أجلها، وفي حالة كهذه لا يملك صناع القرار الدولي وما يمكن أن ينتج من تسويات، إلا أن ينتظروا بلوغ الطرفين حالة من الإنهاك والإعياء كي يكونا أكثر قابلية واضطراراً لحل وسط، والحل الوسط الذي يراه العالم الراهن ممكناً هو بعث بعض حياة في أوسلو 1، لعلَّه يتطور إلى أوسلو 2، وذلك تحت العنوان المجمع عليه دولياً وهو الطريق إلى حل الدولتين.

ليس مضموناً أن يحدث ذلك مع أنه في بال اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط، ولو حدث تكون «فتح» قد أنجزت أوسلو الأولى التي هي الآن قيد الاحتضار، وتكون «حماس» قد أسهمت في إنتاج الثانية، الذي يحدد أي تحرك محتمل لإيقاظ العملية السياسية من غيبوبتها العميقة هو كيفية تعامل الفلسطينيين والعالم مع نتائج الجولة الأخيرة من الحرب الراهنة، فإن أُحسن استخدام نتائجها فالعالم سوف يواصل التفكير في إحياء مشروع السلام، وإن لم يحسَن استخدامها فالعالم لن يحارب من أجل ألا تعود الأمور مرة أخرى إلى نقطة الصفر.

في الواقع الفلسطيني - الإسرائيلي الدولي، تصعب قراءة المآلات وترجيح أي من الاحتمالات، ولعل أبرز ما يميز جدلية الحرب والسلام على جبهتها الفلسطينية - الإسرائيلية أنَّ التسويات التي تقترح أو تنفذ بشأنها محفوفة على الدوام بالخطر.