قذائفكم ليست مفيدة الآن

بي دي ان |

27 ابريل 2021 الساعة 07:28ص

في معارك دفاع الشعوب الواقعة تحت نير المستعمرين عن ذاتها واهدافها، ولمواجهة التحديات من الطبيعي وجود قيادة واحدة تدير معارك المواجهة وفق برنامج الجبهات الوطنية، وانسجاما مع اليات واساليب الكفاح التحررية المستخدمة لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية وباقل الخسائر الممكنة، ولا تسمح القيادة لقطاعاتها واذرعها المختلفة العمل وفق ردات فعل عاطفية، وضمن منطق عليهم يا رجال، وبشكل أحادي دون تنسيق وتكامل بين مختلف الجبهات ووفق الرؤية الإستراتيجية وتكتيكاتها. 
بالتأكيد من الضروري تكامل كل اشكال الكفاح الشعبية والمسلحة والسياسية والديبلوماسية والثقافية ضد قوى العدو، ولكن وفق أولا معطيات الواقع واشتراطاته الذاتية والموضوعية، وارتباطا بتقدير قيادة الجبهة الوطنية بتحديد زمان ومكان أستخدام كل شكل من اشكال الكفاح، وتقديرا منها لكيفية استخدام هذا او ذاك من الأشكال، وبما يساهم ويعزز بتخفيض كلفة الشعب ومناضليه أمام جبروت ووحشية قوات المستعمرين. لا سيما وان ميزان القوى مازال مائلا لصالح كفة العدو الصهيوني، وبالتالي هناك فرق بين الإقرار المبدئي باستخدام كل اشكال الكفاح لمواجهة العدو، وبين اولويات وزمان ومكان استخدام هذا الشكل من ذاك. 
وفي اطار المواجهة مع العدو الصهيوني تم اعتماد اسلوب الكفاح الشعبي كأولوية منذ العام 1987 في الإنتفاضة الأولى، وتم تكريس هذا الشكل بعد العودة للوطن باعتباره الشكل الأمثل، والأنسب في هذة المرحلة. وهذا لم يكن تخليا، ولا إنتقاصا من مكانة الكفاح المسلح، الذي كان الشكل الأول منذ انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة مطلع عام 1965 حتى إشتعال شرارة الإنتفاضة الكبرى 1987/ 1993، التي فرضت بكفاءتها العالية والنجاحات، التي حققها شكل الكفاح الشعبي السلمي، باعتباره الشكل الأكثر كفاءة، وجدارة في انتزاع نجاحات هامة لنضال الشعب على طريق الحرية والإستقلال والعودة وتقرير المصير. 
لكن بعض اذرع فصائل العمل السياسي المسلحة ولغايات وحسابات ذاتية واجندات مختلفة، وللتحريض على السلطة الوطنية لجأت لإستخدام شكل العمليات الإنتحارية في الانتفاضة الثانية 2000/2005، وإطلاق القذائف محدودة التأثير من غلاف حدود قطاع غزة بعد إعادة انتشار قوات جيش الإستعمار الإسرائيلي في ايلول / سبتمبر عام 2005، ونتج عن ذلك توريط ابناء الشعب في حروب واجتياحات ثلاثة 2008/2009 و2012 و2014 مرة وصعبة كبدت الشعب في محافظات الجنوب خسائر فادحة مازالت آثارها جاثمة وبائنة حتى اليوم وإلى ما شاء الله، إلى جانب معارك دونكشوتية ادت لإيقاع عشرات ومئات والاف الضحايا في اوساط الشباب. وللاسف ورغم محاولات وضع صيغ توافقية بين فصائل وقوى الشعب المختلفة تحت راية منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد وقيادتها الشرعية، إلآ ان بعض القوى وقعت تحت ضغط اللحظة العاطفية، ولحسابات واجندات خاصة في أخطاء الماضي القريب، وقامت باللجوء لإطلاق القذائف التي شكلت عبئا على المقدسيين والشعب عموما أكثر مما تساعدهم.      
نعم مع تصاعد حدة المواجهة بين الجماهير الفلسطينية المقدسية وعصابات "لاهافا" الفاشية بزعامة بن غفير المدعومة من حكومة اليمين المتطرف ليلة الخميس الجمعة الماضي والموافق 22ابريل الحالي، إجتهدت بعض اذرع المقاومة في غزة بإطلاق قذائف مدافعها على المستعمرات المحاذية للحدود مع قطاع غزة، كشكل من اشكال التكافل والتساند، ودعم كفاح المقدسيين. لكن اللجوء لإستخدام القذائف المحدودة التأثير لم يخدم معركتهم، لا بل كانت ذات مردود سلبي، ليس لإن القذائف لم تصب حتى الان هدفا واحدا، بل سقطت في المناطق الفارغة من الأرض، ولا لإن العدو الصهيوني ضخم وهول في وصفها ب"الصواريخ"، وهي لا تمت للصواريخ بصلة، وحاول من خلال إطلاقها شن حملة تحريض على ابناء الشعب العربي الفلسطيني امام العالم كله، انما لإن حكومة اليمين المتطرف الصهيونية سعت لحرف بوصلة الأنظار عن كفاح ابناء الشعب في العاصمة الأبدية، والتغطية على دورهم البطولي المشرف عبر توجيه الأنظار لما يجري على الحدود الجنوبية، بإعتبارها المواجهة الأهم، وعقدت القيادة العسكرية الصهيونية برئاسة رئيس الوزراء عدة اجتماعات لدراسة هذا الملف بهدف تبهيت واسقاط ملف القدس ذات الأولوية المركزية لكفاح الشعب. فضلا عن ان بعض ردود الفعل وقعت عن سابق تصميم وإصرار في خطيئة المساواة بين الضحية والجلاد، متذرعة باستخدام بعض اذرع المقاومة قذائفها محدودة التأثير، وكأنها صواريخ حقيقية لتشويه صورة الحقيقة وكفاح الشعب العربي الفلسطيني، وللتغطية على عجز العالم عن الزام اسرائيل بمرتكزات السلام. 
لذا وحرصا على قذائف بعض اذرع المقاومة من التبديد، وتخزينها لوقت الحاجة، ولإستخدامها في الزمان والمكان المناسب، ووفق خطة وطنية مشتركة، تملي الضرورة على كل قوى واذرع الفصائل المسلحة الكف عن اطلاق قنابلها الصوتية، وتركيز الجهود لدعم ابطال القدس ومدهم بالرجال من الضفة وال48، وتسليط الضوء على بسالتهم، وعلى كفاحهم السلمي المشروع بارادتهم الفولاذية، وعلى مشروعية نضال شعبنا في الدفاع عن كل بقعة من ارض دولته وفي المركز منها العاصمة الفلسطينية الأبدية، القدس، وعن مقدساته المسيحية والإسلامية، ونضاله من اجل نيل حريته وحقه الديمقراطي في الترشح والتصويت في الإنتخابات التي قررتها القيادة الشرعية في 22 ايار / مايو القادم، والتصدي لعمليات التهويد والمصادرة للاراضي والعقارات في احياء القدس الفلسطينية العربية بهدف توسيع عملية التطهير العرقي لها، وإفراغها من ابنائها، ومن تاريخها وميراثها وحاضرها، وخنق مستقبلها، وذلك لتقويض عملية الضم والأسرلة لزهرة المدائن ودرة التاج الفلسطينية، ولكبح جماح القتلة الفاشيين من كل المسميات الصهيونية، وليس منظمة "لاهافا" الفاشية لوحدها وصولا لتحريرها عبر عملية سلام ممكنة ومقبولة ترتكز على قرارات الشرعية الدولية، وكأحد اهم مخرجات مؤتمر دولي جدي ويمتلك الصلاحيات لتطبيق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. فهل يقتنع اولئك الأخوة بجدوى التوقف، والكف عن حرف الأنظار عن معركة القدس العاصمة الشجاعة، والتي تمكن ابناءها اول امس من استعادة السيطرة على ساحة وادراج باب العمود، بعد ان فرضت على قوات اجهزة الأمن الأسرائيلية التراجع والإنكفاء ولو مؤقتا. لإن المعركة لم تنتهِ، وانما مازالت، ولا يمكن أن يؤمن جانب العدو الصهيوني.