ثرثرة فوق صفيح الانتخابات

بي دي ان |

20 ابريل 2021 الساعة 08:01ص

تموج الساحة الفلسطينية بوجهات نظر متباينة حول إجراء الإنتخابات في القدس العاصمة الأبدية. فمنهم من يرى ضرورة خوض معركة القدس عبر فرض الرؤية الفلسطينية على الأرض ودون اخذ موافقة إسرائيل عليها، والقاء برتوكول الإنتخابات الموقع مع شمعون بيرس عام 1995 في المزيلة، لإنه جزء وامتداد لاتفاق اوسلو؛ والبعض الآخر يفترض ان ما يجرى الآن هو خوض لمعركة القدس، وباتت العاصمة المحتلة عنوانا رئيسيا للمواجهة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وبالتالي كفى المؤمنين شر القتال؟ والبعض الآخر يقرأ معادلة التأجيل بتضخيم غير مسبوق، وانها ستفاقم من مضاعفات الأزمة الداخلية في المشهد الفلسطيني عموما وداخل اروقة السلطة وحركة فتح خصوصا؛ وبعض آخر يعتبر عدم التمسك باجراء الإنتخابات ذريعة للتهرب من استحقاقاتها، ويفترض ان حركة فتح تخشى حماس أو تخشى الكتل المنشقة عنها؛ وبعض آخر يرى ان التلويح بالتأجيل في حال لم تتم الموافقة الإسرائيلية تعطيل لمعركة التخلص من إتفاقات اوسلو، والرضوخ لها؛ وبعض آخر لا يرى عمليا مانع من التخلي عن ال6300 مقدسي، وكأن الأمر محصور بالعدد وليس بالدلالة السياسية والقانونية، وحتى يقزم هذا البعض الأمر، لا يرى غضاضة من حرمان المقدسيين من المشاركة في الترشح والانتخاب، وعلى اعتبار ان كل المدن والمحافظات الفلسطينية تقع تحت الإستعمار الصهيوني؛ والبعض يعتبر أن الصحوة المفاجئة لإهمية القدس بعد إصدار المراسيم الرئاسية وتقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية والإستعداد للحملات الإنتخابية، هي صحوة مفتعلة، وكأن ملف القدس ملفا ثانويا؛ وآخر يفترض ان التفكير، مجرد التفكير بالتأجيل مؤامرة على الإنتخابات وعلى المصالح الوطنية، وضمنا يقصد مصالحه وحساباته الشخصية، وعلى مشروعه.... الخ
يتجاهل كل اصحاب الرأي بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، ان معركة الإنتخابات معركة وطنية بامتياز، وتصب في مصالح الشعب عموما، وهي جزء من معركة الدفاع عن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المحتلة. ولعل اجتماع اول امس الاحد الموافق 18/4/2021 للجنة التنفيذية، الذي عقد برئاسة الرئيس ابو مازن، وكلمته الإفتتاحية في الاجتماع خير تعبير عن تمسكه، وتمسك القيادة بمختلف تلاوينها السياسية بالإنتخابات كخيار ضروري واساسي لتثبيت الحقوق الوطنية، ولتعزيز الديمقراطية الفلسطينية، وتكريس مكانة وحيوية الشعب الفلسطيني كشعب يستحق الحياة والإستقلال والسيادة على ارض وطنه الأم. وبالتالي لا يحق لاحد المزاودة على احد، ولا يجوز لإبواق حركة حماس، التي عطلت العملية الديمقراطية خمسة عشر عاما المزاودة على احد، لإنها جاءت إلى الإنتخابات تحت سيف الضغط، وليس رغبة منها، وليس قناعة منها بالإنتخابات. كما ان من يفترض ان حماس ستتمكن من تبوأ مركز الصدارة في الإنتخابات واهم، لإن من صوت لحماس في ال2006 صوتوا لها رفضا للاخطاء والفساد الذي واكب تجربة السلطة آنذاك، فما بال الناس عندما إكتشفوا مصائب وفضائح وفساد فرع جماعة الإخوان المسلمين، وإغتراب مشروعهم عن المشروع الوطني العام؟
وإدعاء البعض ان القيادة وحركة فتح تخشى المنشقين عنها، فاعتقد انه ينسى او يتجاهل حكم التاريخ على كل من ترك الحركة الأم، اي حركة فتح. ولم يكن الذين تركوا فتح في محطات سابقة أقل مكانة، لا بل العكس صحيح، كان بعضهم من المؤسسين، ولكن قافلة حركة فتح مضت قدما، وبقيت سيدة الموقف. نعم تغيرت الظروف، والمعادلات داخل الساحة وفي الإقليم، بيد ان الناظم لحركة الثورة والشعب والدولة والقيادة هو ذاته. ويعلم الجميع اني وللمرة الالف اؤكد، لست فتحاويا، واعرف اخطاء وخطايا الحركة كما يعرفها ابناءها، ومع ذلك، مازال الرهان على تبوأ حركة فتح مركز الصدارة في الانتخابات، دون ان لا يعني ذلك، عدم تأثرها من إنعكاسات الانقسامات والارباكات الداخلية.
بالنتيجة فيما لو لم تسمح إسرائيل ال6300 مواطن فلسطيني وفق برتوكول ال1995 لا يجوز اجراء الإنتخابات الفلسطينية، ويجب العمل على تأجيلها. لإن اجراء الانتخابات على اهميته واولويته، ليس أكثر اولوية من القدس العاصمة. وال6300 مواطن مقدسي، هم الرقم الصعب، وهم عنوان التأكيد على مكانة ورمزية المدينة وفلسطينيتها وعروبتها، ولا يجوز لكائن من كان ان يتجاهل هذة الحقيقة. وهي جزء اساسي من خوض معركة القدس. هنا تكمن جوهرية ومركزية القدس العاصمة، وعليه لا يجوز التنازل عن حق ال6300 مقدسي في التصويت، وإذا كان حصل خطأ ما في عام 1995 في صياغة واليات عمل البرتوكول، فالجميع يعلم ان اوسلو فيه الف مثلب ومثلب ومع ذلك بني على الإضاءات الإيجابية المتناثرة فيه، وعليه الضرورة تملي التمسك بخوض المعركة مع العدو الصهيوني، وليس الإستسلام لمشيئته، والموافقة على خيار الضم، والسقوط في براثن صفقة العار المشؤومة.
كفى ضجيجا وثرثرة فوق صفيح الانتخابات، وإعتبار تأجيلها فيما لو حدث، وكأنه جريمة لا تغتتفر، خمسة عشر عاما لم تجرِ فيها الإنتخابات، ولم يحدث زلزال. تريثوا وتمهلوا في خطواتكم، واعيدوا النظر في حساباتكم، وانظروا صوب الحلقة المركزية في المصالح الوطنية، ولا تصغروا شأنكم، وشأن قضيتكم، وكأن التاريخ سيتوقف عند عملية التأجيل من عدمها. مصالح الشعب فوق كل الأولويات، والإنتخابات الفلسطينية اولوية، وضرورية جدا جدا جدا. لكنها ليست اهم من القدس العاصمة، ومعركتها ليست معركة مفتعلة، ولا ذرائعية، ولا نزوة، انما هي في صلب الثوابت الوطنية.