الذكرى 89 لرحيل المختار

بي دي ان |

20 سبتمبر 2020 الساعة 11:38ص

قبل عامين تقريبا أتيح لي زيارة المنطقة الشرقية من ليبيا، وجلت مع الوفد الذي كنت عضوا فيه على عدد من المواقع الهامة ذات الصلة بالحرب الأهلية، وشاهدنا بام العين حجم الدمار الهائل، الذي خلفته الميليشيات التكفيرية في بنغازي وغيرها من المدن والقرى الليبية. كما ونظم لنا  (نحن اعضاء الأمانة العامة  للمؤتمر الشعبي العربي) الأخوة الليبيون جولة لزيارة عدد من المواقع التاريخية، من اهمها، كانت زيارتنا لضريح الشهيد البطل عمر المختار، وكذلك زيارة وادي الجريب في منطقة الوادي الأخضر، حيث أعتقل هناك المجاهد من قبل القوات الإستعمارية عام 1931. وآنذاك تركز الحوار بين ممثلي القوى العربية المشاركة في الإجتماع في الثلث الثاني من شهر كانون ثاني / يناير 2019 على القضايا القومية ذات الصلة واهما العمل على وحدة القوى القومية والديمقراطية العربية، وكيفية مواجهة الهجمة الصهيو أميركية الإخوانية ومن والاهم في كل الساحات والدول العربية.
استحضرت بعض ملامح زيارتي لليبيا اليوم، وانا اقف امام ذكرى إعدام القائد العربي الليبي الشجاع، عمر المختار التي حلت يوم الأربعاء الماضي الموافق 16 ايلول/ سبتمبر الحالي (2020) ال89، ذلك القائد الذي مَّثل روح الفداء والبطولة والتضحية في مواجهة المستعمرين الإيطاليين. وهو ما شجعني على الكتابة عنها الآن لدلالتها السياسية والكفاحية الوطنية والقومية والإنسانية.
شرع شيخ المجاهدين الليبي في الكفاح، وهو في عمر ال53 عاما، وقاد المعارك البطولية لأكثر من عقدين من الزمن ضد الطليان المستعمرين آنذاك، وحقق إنتصارات عدة، رغم بدائية الأسلحة، وقلة التجربة الكفاحية، ومنها معركة فزان أواخر كانون ثاني / يناير 1928، عندما حاول الطليان السيطرة عليها، وخرجت لذلك الهدف قوتان من غدامس ومن الجبل الأخضر بهدف تصفية قوات الثورة الليبية بقيادة الشيخ المجاهد المختار، ولكنهم فشلوا، مع ان المعارك استمرت لمدة خمسة ايام متوالية، وتمكن (المختار) من دحرهم، والإنتصار عليهم. وايضا من المعارك الهامة، كانت معركة "أم الشافتير" (عقيرة الدم)، التي شكلت نقطة تحول وإنعطافة هامة في مسيرة الكفاح التحرري الليبي، حيث شرع في إعداد إستراتيجية جديدة، وأعاد تنظيم قواته في فرق صغيرة، وخطط لما يعرف بحرب العصابات.... إلخ من المعارك البطولية التي قادها وخاضها مع اقرانه البواسل ضد الطليان.
وكانت المعركة الفاصلة في حياة شيخ المجاهدين عندما حاول الجيش الإيطالي دخول مدينة بنغازي، وكان آنذاك يقوم بتفقد مواقع المقاتلين في وادي الجريب، وهو وادي عظيم في الجبل الأخضر، مما دفعه للإلتحام مع جيش الأعداء في وسط الوادي، ورغم عدم تناسب القوى، بيد ان قوى الثورة بقيادة المختار تمكنوا من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف الإيطاليين، وبالمقابل سقط عددا من الشهداء، واصيب البطل بيده، وأصيبت فرسه بضربة قاتلة. مما مكن الأعداء من القبض عليه، وإجراء محاكمة صورية له في يوم الأربعاء الموافق 16 ايلول / سبتمبر 1931، ثم اعدموه في تمام التاسعة صباحا في منطقة سلوق جنوب شرق مدينة بنغازي، حيث أقيم ضريحه هناك. إستهدف الأعداء من إعدام الشيخ المجاهد إضعاف الروح المعنوية، وإدخال وبث الرعب والهزيمة في اوساط ابطال المقاومة الشعبية الليبية، وإفقادهم رأس القيادة لتشتيت قواتهم، ومحاولة نشر الفتنة بينهم لتمزيق وحدتهم، غير انهم فشلوا.
ومن الأقوال المأثورة لشيخ الشهداء عمر المختار اثناء محاكمته: " إنني اؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح، ونحن لن نستسلم ... ننتصر او نموت، وسوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم، اما انا فحياتي سوف تكون اطول من حياة شانقي." وهذا ما تؤكده سيرورة التاريخ، فالشيخ المجاهد المختار رحل منذ 89 عاما، ولكنه مازال خالدا وعنوانا للبطولة والشموخ الليبي والعربي عموما. ومازال مصدر إلهام لكل المدافعين عن حرية اوطانهم وشعوبهم. وستبقى تجربته الرائدة في الكفاح التحرري مدرسة للمناضلين الليبيين والعرب إسوة بكل تجارب القادة العرب الميامين ومنهم عبد القادر الجزائري، وقادة الثورة الجزائرية والزعيم الخالد جمال عبد الناصر، والشهيد صدام حسين والشهيد الرمز المؤسس ابو عمار وكل القادة المناضلين من الثورة الفلسطينية المعاصرة. هؤلاء جميعا وغيرهم من ابطال الحرية العرب سيبقوا نقطة الضوء وبوصلة الكفاح التحرري لشعوب الأمة عموما. التي سترد على عار الإستسلام والتطبيع الخياني مع العدو الصهيو أميركي آجلا ام عاجلا.
[email protected]
[email protected]