ترجل خير الدين حسيب

بي دي ان |

15 مارس 2021 الساعة 05:47ص

هناك شخصيات تفرض عليك التوقف امامها، بغض النظر ان عرفتها او لم تعرفها، حتى في رحيلها تستدعيك لإنصافها، وتسليط الضوء على تجربتها، ومنحها بعض ما تستحق من الوفاء الوطني والقومي، من بين هؤلاء الرموز المفكر الإقتصادي القومي، خير الدين حسيب العراقي العربي، المسكون بالإنتماء لهويته وثقافته العروبية، مؤسس ومدير عام مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 1975.
ترجل المناضل والمثقف المفكر القومي يوم الجمعة الموافق 12/3/ 2021 عن عمر يناهز ال92 عاما في العاصمة العربية، بيروت التي إختارها عنوانا لإنطلاقته لمشروعه القومي، ومقرا دائما لإقامته. وكان رجل الإقتصاد البارع ولد في مدينة الموصل في آب/ اغسطس 1929، وبعد 15 يوما على ولادته رحل والده، وتولاه جده لابيه بالرعاية، وكان رجلا ميسورا مما هيأ للطفل والفتى خير الدين طفولة مميزة. لا سيما وانه كان مقربا من جده، ويحضر مجالسه، وبات وسيطا بينه وبين باقي اعمامه وابناءهم. بيد ان مرض جده لاحقا إستنزف ممتلكات العائلة، وبيعت لتغطية نفقات العلاج، وتسديد الإلتزامات الاسرية الاخرى.
مع نجاحه في الثانوية كان جده توفاه الله، فإضطر للبحث عن عمل لإعالة نفسه وعائلته، ثم بعد حصوله على شهادته الجامعية الأولى في بغداد، اكمل دراسته في جامعة كامبريدج في بريطانيا تخصص مالية عامة. وبعد العودة للوطن العراقي مارس مهنة التدريس محاضرا في جامعة بغداد ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ثم عين محافظا للبنك المركزي العراقي بدرجة وزير، وساهم في عملية تأميم النفط العراقي.
لكن القومي العربي كان حلمه اوسع واعمق من العمل الوظيفي التقليدي والمنصب الرفيع، فترك العراق متوجها لبيروت عاصمة الثقافة والفكر العربي عام 1974، وكانت خطته معدة سلفا، حيث باشر العمل على تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية عام 1975، وتحت رئاسته واشرافه اصدر ونشر ما يزيد عن ال500 دراسة وكتاب، والتي جلها عالجت هموم وقضايا الوحدة العربية، والمشروع القومي العربي، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة بالهوية العربية.  فضلا عن انه اصدر عن المركز مجلة المستقبل الشهرية من عام 1978 حتى اب / اغسطس2007، وكانت من المجلات الهامة، ومازالت بما صدر منها من اعداد (342 عددا) تشكل مرجعا هاما للباحثين والدارسين حول القضايا العربية في المجالات المختلفة.
لم يكتف الراحل حسيب بالإنتاج المعرفي للتأصيل للمشروع القومي العربي، لذا بادر مع نخبة من المثقفين والمفكرين والقادة السياسيين السابقين من وزراء ورؤساء وزارات بتأسيس "المؤتمر القومي العربي" عام 1990، الذي يضم في عضويته حوالي 800 عضوا، وتولى فيه ذات مرة منصب الأمين العام بعد تأسيسه. كما انه ساهم بدور اساسي في إقامة "المؤتمر القومي الإسلامي" و"المنظمة العربية لحقوق الإنسان" و"المنظمة العربية للترجمة" و"المنظمة العربية لمكافحة الفساد" التي تأسست 2004.
من النظرة السريعة لسيرته النبيلة وتجربته الرائدة، نلاحظ، انه سعى بكل ما يملك من مكانة علمية، وإمكانيات مادية، ومثابرة شخصية على خوض غمار الدفاع عن الأمة العربية، ومشروعها القومي النهضوي، والسعي لوقف حالة الإنهيار والتراجع، ونشر العلم والمعرفة، وتسليط الضوء على الأزمات التي تعيشها شعوب الأمة من المحيط إلى الخليج. كما وحاول جاهدا الربط الجدلي بين النظرية والتطبيق مع تأسيس المؤتمر القومي العربي، والمنظمات الأخرى.
لكن تجربته على اهميتها لم تحقق مبتغاها، رغم  نجاح شقها المعرفي والثقافي، إلآ انه وللأسف وقع اسير الجغرافيا السياسية، التي أثرت على تجربته ومستقبلها، ليس هذا فحسب، انما مع تأسيس المؤتمر القومي العربي تعثرت خطواته مع ربط التجربة مع بعض الانظمة العربية، فبقيت تجارب المؤتمرات ذات طابع شكلاني، ولم ترقَ لمستوى الطموح والتحديات المطروحة على الأمة ودولها.
بيد ان النواقص في تجربة رجل القومية العربية خير الدين حسيب، لم ولن تغبنه حقه، ومكانته المميزة، وستبقى تجربته نموذجا للريادة والعطاء والدراسة، لا سيما وانه حفر اسمه في صفحات المجد العربية بقوة، ولا يمكن لإحد ان يتجاهل أو يقفز عن اسم المبدع العراقي العربي الباسل، الذي نذر نفسه للقومية العربية. رحمة الله عليه ولروحه السلام.
[email protected]
[email protected]