المسؤولية المجتمعية.. حلقات مفقودة

بي دي ان |

18 فبراير 2021 الساعة 03:38ص

يُعد مفهوم المسؤولية المجتمعية مفهوماً حديثاً في المجتمع الفلسطيني، والذي يسعى إلى تفعيل الحس الاجتماعي المبدوء من الأسرة التي تُعود الطفل منذ نعومة أظافره على أن يعيش في بيئة اجتماعية، تفرض عليه واجبات ومسؤوليات القيام بها دون انتظار أجر أو مكافئة، ثم كيف يتماهى النشْء مع محيطه الاجتماعي، وتحملّه مسؤوليات عدّة يأتي على رأسها الإحسان، والعمل التطوعي والخيري، ونبذ الاتكالية، ودعم فكرة التكافل والتعاون المجتمعي، والتي كلها تساعد على بقاء سلسلة الحلقات ما بين الماضي والحاضر والمستقبل في المجتمع.
إنّ تداول هذا المفهوم أوقع على عاتق كل من القطاعات مسؤولية معينة تتعلق به، تبدأ بالقطاع الحكومي العام الذي تتولى فيه الحكومة الإشراف المباشر على أنشطته في الوزارات والهيئات الرسمية، ثم القطاع الخاص الذي يتكون من شركات ومؤسسات وأفراد لها طابع ربحي سواء كانت تعليمية أو تجارية، ثم القطاع الأهلي الذي يتمثل في مؤسسات المجتمع المدني بجمعياته الخيرية، وغيرها من الأعمال المختلفة التي تقدم خدماتها للمواطنين بوصفها جهات غير ربحية سواء كانت تعليمية أو خيرية، وينبغي الذكر إذا لم تقمْ كل من هذه القطاعات بدورها المنوط بها على أكمل وجه، فإننا لم نستطع تحقيق المسؤولية المجتمعية، وعلى هذا يمكن أنْ نتساءل هل جهود المسؤولية المجتمعية مبعثرة، وهل هي أقرب إلى الإحسان أم التنمية؟
إنّ المسؤولية المجتمعية استثمار للمجتمع وفق منهجية مدروسة، والتزام موثق تعمل القطاعات على تحقيقه، وتلبية احتياجات المجتمع المختلفة، بحيث تشمل احتياجاته الإنسانية والضرورية؛ لتوفير معيشة كريمة ذات طابع تنموي، يمكن فيه خلق فرص عمل جديدة أو مشاريع خيرية تُمكّن الكثيرون من الاستفادة منها، ومشروعات تنموية تؤثر في المستوى المعيشي لهم بشكل جذري ومستدام، وبهذا يمكن تشخيص العلاقة بين المسؤولية المجتمعية والإحسان، فالإحسان غالباً ذو طابع فردي وموسمي وموزع على فترات زمنية محددة، يكثر وقت الأزمات، ويتلاشى في الظروف المستقرة، ويكاد ينحصر في إطعام الفقراء أو توفير الملابس أو الخدمات لهم، بعيداً عن رفاهية معيشتهم وتأهليهم المهني وتدريبهم التقني حسب أولويات المجتمع، وهنا يمكن الذكر أنّ الالتزام التطوعي مهما كان حجمه ونوعه، ليس بديلاً عن المسؤولية المجتمعية، بل هو جزء من ممارساتها ومكمل لها، فالمسؤولية المجتمعية أشمل وأوسع وأعمق، وتقوم على خطط منهجية تلبي احتياجات المجتمع، تتناسب مع طبيعته وتقرر أولوياته ، وهي لها منهجية وخطة وديمومة ودور بارز في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع، والتوظيف الأمثل للموارد فيه، فهي تسعى أيضاً لدمج السلوكيات الاجتماعية في سياسات المؤسسات، وكذلك المسؤولية الوطنية حيث روح الانتماء والتفاني في خدمة المشروع الوطني بالعمل على محاصرة الأضرار المحدقة بالمجتمع، وتوثيق عُرى التعاون والمشاركة الفاعلة في التنمية الشاملة.
لكن هل ستبقى ثقافة المسؤولية المجتمعية حلقة مفقودة في المجتمع؟ وكيف يمكن ترسيخها؟  
إنّ تطوير ثقافة المسؤولية المجتمعية يحتاج إلى تضافر الجهود بين القطاعات ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مقدمتها الأسرة، والتي يمكن أن تمارس دوراً محورياً في هذا المجال بتربية أبنائها على عمل الخير وتقديم المساعدة للآخرين، والتضامن والتكافل الاجتماعي، كما يمكن أن تؤدي رياض الأطفال  والمدارس، ودور العبادة، والجامعات والأحزاب ووسائل الإعلام وغيرها، دوراً في ترسيخ هذا المفهوم على الصعيد المجتمعي، بوصفه ثقافة في المقام الأول، كما يمكن أن يمارس القطاع الخاص أيضاً دوراً مهماً في هذا المجال، وذلك من خلال إدماج المسؤولية المجتمعية في أنظمته الداخلية، وصولاً إلى عائد يضع فكرة صحيحة عن مفهوم المسؤولية المجتمعية، ويحقق أهدافها في مساعدة المؤسسات على تحديد أدوارها، وتنظيم أنشطتها بشكل يستوعب الاختلافات الثقافية والمجتمعية، والتحسين المستمر، وغرس بذور الثقة وتعميقها، وتبني أسلوب شفاف يضمن تحقيق الطمأنينة للمؤسسات في تعاملها مع الأطراف ذات العلاقة، سواء كانت هذه الأطراف من المساهمين أو المستفيدين، وتفعيل الدور الإيجابي في تحقيق قضايا وأنشطة مشتركة مع الجهات المعنية بتطبيقها، وتحقيق متطلباتها، وتوسيع دائرة الاهتمام بالتوعية الخاصة لقضايا تمسّ عصب الحياة في المجتمع، حسب توجيهات وقائية تمنع من حصول الضرر، وبنائية تعزز الإيجابيات، وعلاجية تتدخل في وضع حلول للمشكلات المجتمعية.
ولتعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية لا بدّ من إضافة البرامج والخطط والاهتمام الاستراتيجي، ووجود منهجية وخطة نابعة من تقديرات دقيقة لأولويات ومواضيع ذات علاقة بالاحتياجات الفعلية، كذلك وضع خطة طويلة الأجل ومستمرة لبرامج متعددة ومتنوعة تستهدف تلبية متطلبات المجتمع الفلسطيني.