سلاح حماس… بين واقعية المرحلة ومراوغات الثعلب

بي دي ان |

08 ديسمبر 2025 الساعة 10:30م

المشرف العام
لا شكّ أن قرار وقف إطلاق النار في التاسع من أكتوبر الماضي كان بمثابة إزاحة لكابوسٍ بقي جاثماً على صدور الفلسطينيين لسنتين عجاف، تجسّدت خلالهما أبشع صور الاحتلال بأشكاله القذرة وأكثر من ذلك. لكن في حقيقة الأمر يمكننا تسميتها “هدنة رخوة” مارس خلالها جيش العدو مجازر عدّة، خاصة في شرق مدينة غزة والمنطقة الوسطى من قطاع غزة، وواصل القتل حيث قُتل ما يقارب 370 شهيداً خلال هذه الفترة، ولا يخلو يوم دون قتل. كذلك ما زال هدم المنازل على أوجه في شرق غزة وخانيونس وشمال غزة، ممّا يعكس طبيعة الاحتلال وسلوكه الإجرامي، وأنه على مسافات بعيدة ممّا يسمى بالسلام المزعوم أمريكياً على الأقل.

وفيما تستعد العديد من الدول، سواء الموقعة على اتفاق شرم الشيخ أو غيرها ممّن يعلمون أهمية القضية الفلسطينية وتداعياتها ويتابعون مجرياتها عن كثب، للدخول في المرحلة الثانية وفق الخطة الترمبية، والتي بجوهرها “وصاية أمريكية” على قطاع غزة وفق تطلعات ترامب الاقتصادية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وحق تقرير مصيره، ورغم موافقة الكيان على الخطة، إلا أن نتنياهو ما زال يتلكأ للدخول في هذه المرحلة تحت ذريعة تسليم آخر جثة إسرائيلية متبقية لدى المقاومة من جانب، وقضية تجريد حركة حماس من السلاح والقضاء على قدراتها العسكرية والأنفاق من جانب آخر.

مع العلم أنه سابقاً احتفظت حركة حماس بأربعة أسرى إسرائيليين أحياء لديها دون أي ردّة فعل إسرائيلية أو إبداء اهتمام بذلك، بل بالعكس كان الدعم القطري عبر العمادي مستمراً شهرياً بشكل منتظم دون أي توقف أو تراجع، مع العلم أن قرار الدعم القطري شهرياً لحماس كان قراراً إسرائيلياً من قبل نتنياهو شخصياً. وبالتالي، يدرك نتنياهو جيداً أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال قد يذهب لتطوير قدرات حماس العسكرية، لكن يبدو أنه الآن لا يعمل على إدارة صراع بقدر ما يقوم بهندسة المنطقة من جديد بما يتناغم مع مصالحه السياسية ومخططاته في السيطرة على قطاع غزة والبقاء فيها، وتنفيذ مخطط التهجير القسري ولو بشكل ناعم.

وقد ظهرت إحدى هذه الوسائل عبر طائرتَي الركاب اللتين أقلعتا من مطار رامون إلى جنوب أفريقيا عبر الكيان، والاستعداد لإقلاع طائرتين أخريين لولا قرار وزير داخلية جنوب أفريقيا الذي اتخذ تدابير معيّنة مصرّحاً: “إن جنوب أفريقيا لن تكون جزءاً من تهجير الفلسطينيين”.

بالمقابل، صرّحت حماس أمس على لسان أحد قياداتها بأن “الحركة مستعدة لمناقشة تجميد أو تخزين سلاحها كجزء من وقف إطلاق النار”.

برأيي، على حركة حماس ألّا تجعل من قضية السلاح ذريعة للاحتلال لتحقيق مشروعه التدميري لبقايا ما تبقى من قطاع غزة، وأن تقطع الطريق على العدو بتسليم السلاح (إن تبقى سلاح) للسلطة الفلسطينية، والإصرار على أن يكون للسلطة دور أساسي في المرحلة الثانية على الرغم من عدم رغبة حماس في ذلك. ففلسطين وشعبها أكبر وأعظم من أن يُربط مستقبلها ووجودها برغبات أشخاص من عدمها.

مع العلم أن الجميع يدرك جيداً أنه لو بقي سلاحٌ في يد المقاومة قادر على حماية المقاومين وليس المدنيين، لاستخدمته في حماية نفسها على الأقل. ووفق تصريحات قيادة الجيش الإسرائيلي، فإن حماس لم تعد تشكل خطراً أمنياً عليه، وبالتالي يتبقى تسليم السلاح بشكل يحمي المدنيين من نزوات نتنياهو وجنوده الساديين الذين يتلذذون بقتل المدنيين الأبرياء، وبما يحفظ ماء وجه الشباب المقاوم للاحتلال في معركة فُرضت عليهم من قيادات مقامِرة مغامِرة دون أدنى حسابات منطقية أو تفكير بالمدنيين.

طوال الفترة الماضية كان نتنياهو، ثعلب إسرائيل، يصرّ على عدم وجود أي دور للسلطة الفلسطينية، لكن يبدو أنه مؤخراً بدأ يناور بشأن ذلك في خطوة للوراء. وربما يعود ذلك لعدة أسباب، أهمها:

أولاً: عدم موافقة العديد من الدول المشاركة في القوات الدولية التي ستتواجد في غزة، مع خوف هذه الدول من الصدام مع الشعب الفلسطيني.

ثانياً: إن الشعب الفلسطيني بطبيعته شعب مقاوم، وبالتالي لن يلتزم الصمت في حال كانت القوات الدولية للتدخل عسكرياً في الشأن الفلسطيني وليس قوة مراقبة فحسب.

ثالثاً: مع مرور الوقت تتشكل مخاوف من عدم نجاح خطة ترامب، وبالتالي قد يجد واضعو الخطة أنه من المفيد أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في المرحلة المقبلة، ليس قناعة بالمبدأ ولا اعترافاً بدولة فلسطينية مستقبلاً، ولا رغبة بتواجدها من وجهة النظر الفلسطينية، بقدر ما هي جهة فلسطينية جاهزة للصدام مع أطراف فلسطينية أخرى، وتكون جهة تُعلَّق عليها مسببات الفشل في حال لم يتم التحكم بالوضع ميدانياً.

ومع ذلك، وعلى الرغم من المرحلة الكارثية التي وصل إليها الفلسطينيون في ظل خطة ترامب، والتي تجمّد وتحصر الدور الفلسطيني بإدارة محليات وخدمات في غزة بدلاً من دورها السياسي والسيادي، والتي تجاهلت كل الاتفاقيات الدولية الموقعة التي تعترف بدولة فلسطين، وكذلك تجاهلها لمخرجات مؤتمر نيويورك 2025، لتقع غزة في فخ “مجلس السلام الدولي” برئاسة الولايات المتحدة، الذي يقوّض نتاج عشرات السنوات من النضال والتضحيات الفلسطينية.

ومع ذلك، ومع كل المرارة التي نتجرعها جراء تلك المرحلة المهينة التي أخذتنا إليها حماس عنوة، نقول إنه على القيادة الفلسطينية الإصرار على أخذ دور أساسي بما يليق بتاريخ النضال الفلسطيني وحقه بالوجود على أرضه، وخوض معركة دبلوماسية جادة وكبيرة في سبيل استرداد قطاع غزة، وعدم النزول للخطة الشيطانية التي تسعى لفصل غزة عن الوطن للاستفراد به وتنفيذ المشروع الاستعماري الكولونيالي الإسرائيلي من جهة، وتنفيذ الخطة الاقتصادية الأمريكية القائمة أيضاً على سرقة الأرض والغاز على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه من جهة أخرى. ولتكن معركتنا التي لا مفر منها بخطى واضحة وبرنامج وطني واحد يجمع الفلسطينيين، مع استشعار الجميع بخطورة المرحلة وتداعياتها على فلسطين الدولة والقدس العاصمة، وعلى الكل الفلسطيني.