الاغوار الشمالية في مرمى النيران

بي دي ان |

08 ديسمبر 2025 الساعة 12:11ص

الكاتب
في حروب إسرائيل متعددة الجبهات على الشعب الفلسطيني، التي تطال المحافظات والمدن والقرى والمخيمات في ارجاء الوطن، تحتل محافظة طوباس والاغوار الشمالية عنوانا بارزا في الهجمة الإسرائيلية المسعورة، التي بدأت في 26 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي (2025)، رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعد العديد من الدول العربية والإسلامية بعدم السماح بضم الضفة الغربية، لكن حكومة بنيامين نتنياهو تسارع الوقت لفرض عملية الضم التدريجي عليها بأساليب وأشكال متعددة، دون إعارتها الاهتمام بتعهد الرئيس الأميركي، أو لأدراكها أن واشنطن لن تتخذ أية مواقف متشددة ضد الائتلاف الحاكم في تل ابيب.
ومن بين المؤشرات الدالة على ذلك، وفق تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان الصادر في 6 كانون اول / ديسمبر الحالي، أولا إصدار سلطات الاستعمار الإسرائيلية في الآونة الأخيرة 9 أوامر عسكرية جديدة، تهدف الى السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في محافظة طوباس، تضم أراضي ملكية خاصة، وأخرى مصنفة كأراضي دولة، بذريعة شق طريق عسكري جديد يربط بين "عين الشبلي" وقرية "تياسير"، بطول يزيد عن 40 كيلو متراً وتمتد الأراضي المستهدفة من أراضي طمون مرورا بسهل البقعة شرق قرية عاطوف، ومنطقة عينون، وصولا الى منطقة يرزا شرق طوباس. ثانيا بدأ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، آفي بلوت، بالتعاون والتكامل مع الإدارة المدنية وقيادات المستعمرين في المنطقة حربا مفتوحة على المحافظة، أطلق عليه عنوان "الحجارة الخمسة"، وهو اسم توراتي يعكس أسماء الاسفار الخمسة من العهد القديم، هي: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية، التي تعد أساس الشريعة والاحكام التي أوحي بها للنبي موسى عليه السلام، في إشارة الى خمس مناطق تتركز فيها العملية العسكرية: مدينة طوباس، بلدة طمون، وبلدة عقابا، وبلدة تياسير، ومخيم الفارعة ومحيطه بذرائع أمنية وهمية.
ومن الواضح من هذه الهجمة الاستعمارية على المحافظة، التي استمرت لأسبوعين، أن الهدف منها التغطية على الابعاد السياسية والميدانية لعملية توسيع وتعميق السيطرة على المزيد من الأراضي، والتضييق على أبناء الشعب فيها، وتدمير ركائز الزراعة الفلسطينية، وصولا لتهجير السكان القسري من المحافظة، وضم الاغوار الشمالية التي تمثل السلة الغذائية للضفة الغربية وذراعها الاقتصادي الحيوي، والمورد المائي الأهم، وأحد المنافذ الاستراتيجية على العالم، وبما يخدم المشروع الاستعماري في ضم الضفة الفلسطينية. وتلازم مع العملية العسكرية الاستعمارية، حملة دهم واقتحام لمنازل المواطنين، وتحويل بعضها الى ثكنات عسكرية، وأشارت صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية، أن 3 الوية من الجيش شاركت في العملية هي: منشي والشومرون والكوماندوز، التي فرضت حصارا وطوقا شاملا على المحافظة بالسواتر الترابية والحواجز العسكرية.
ثالثا شرع الجيش الإسرائيلي ببناء جدار فصل عنصري جديد في عمق الاغوار الشمالية، في خطوة وصفها الأهالي والحقوقيون بأنها الأخطر منذ سنوات، كونها تحول عشرات التجمعات والبلدات الى مناطق محاصرة ومعزولة عن بعضها البعض، وتفصل السكان عن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والرعوية، ويمتد جدار الفصل العنصري الجديد على طول 22 كيلو مترا وبعرض نحو 50 مترا، وتستهدف العملية الاستعمارية تجريف منشآت سكنية وزراعية وخياما ومخازن ومقاطع من شبكات المياه، ضمن ما يعرف بالمشروع العسكري "الخيط القرمزي". وفق صحيفة "هآرتس" العبرية.
وهذا ما أكده الخبير في شؤون الاستيطان درور أتكاس من جمعية "كرم نابوت" المتخصصة برصد الإجراءات الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، بالقول إن المرحلة الحالية من مشروع "الخيط القرمزي" ستؤدي الى فصل المزارعين وأصحاب الأراضي في مدينة طوباس وبلدات طمون وتياسير والعقبة عن مساحات واسعة من أراضيهم تصل الى نحو 45 ألف دونم، التي تقع بين شارع الون وجدار الفصل العنصري الجديد. وتحاصر المنطقة المستهدفة الواقعة بين شمال الاغوار وحاجز الحمرا 7 مستعمرات، و16 بؤرة استعمارية رعوية.
وكشف تقرير اخباري نشره موقع "واي نت" الأسبوع الماضي، أن اركان مجلس "شومرون" الإقليمي، الذي يرأسه الليكودي المتطرف يوسي داغان ورئيس بلدية مدينة "روش هاعين" أطلقوا مبادرة مشتركة لإنشاء مدينة استعمارية جديدة في الضفة تحت اسم "روش هاعين الشرقية" على أراضي حكومية في مرتفعات الضفة الشمالية، وتستوعب أكثر من 120 ألف مستعمر صهيوني. وهذا المشروع عميق الصلة برؤية بتسلئيل سموتريش الهادفة الى وجود "مليون مستعمر في السامرة"، وتعزيز الوجود الاستعماري بحلول عام 2050، وما أكده القائمون على المشروع، أن الهدف ليس ديمغرافيا فحسب، بل استراتيجيا وأمنيا بالدرجة الأولى.
من خلال هذه المشاريع الاستعمارية المتعددة يتضح المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي، الهادف الى السيطرة الكاملة على الاغوار الشمالية، عبر تقطيع اوصال مدينة طوباس وقرى المحافظة عن بعضها البعض، ووضعها في معازل، وتضييق الخناق عليها، والسيطرة الواسعة على عشرات ألاف الدونمات في المنطقة، وتبديد السلة الغذائية الأهم في الضفة عموما، وليس في المحافظة واغوارها، وفرض عملية التطهير العرقي على أبناء الشعب، الأمر الذي يفرض على القيادة والفصائل الوطنية والنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية والثقافية والدينية وضع خطط لمواجهة التحدي الاستعماري الإسرائيلي، والتنسيق مع الاشقاء العرب والدول الإسلامية وانصار السلام والإدارة الأميركية، التي تعهد رئيسها بمنع ضم الضفة الغربية، والتوجه الى هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية لصد الحرب المفتوحة على الاغوار الشمالية والجرائم والانتهاكات الإسرائيلية كافة في عموم الضفة الغربية بما فيها القدس العاصمة، وكبح المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وفتح الأفق أمام استقلال وسيادة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
[email protected]
[email protected]