في ذكراها الثانية: الدكتورة سُجى رأفت الماشي.. حين يُقتل الحلم تحت الركام

بي دي ان |

01 ديسمبر 2025 الساعة 08:16م

بعد أيام قليلة، تمرّ الذكرى السنوية الثانية لارتقاء الدكتورة سُجى رأفت الماشي من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، تلك الشابة التي مسحت غارة واحدة اسم أسرتها من السجل المدني، ودفنت معها أحلام عشرات النازحين الذين احتموا بمنزلها في ليلة كان الموت فيها أسرع من النجاة.

في قلب مخيم المغازي، حيث تختنق الحياة بين ضيق المكان وقسوة الظروف، كانت تنمو زهرة صغيرة تُدعى سُجى رأفت الماشي. وُلدت في بيئة أنهكها الفقر، لكنها حملت قلبًا يضيئه الأمل رغم كل شيء، وعينين تشعّان بحلم أكبر من عمرها.

حلمٌ يتحدّى المستحيل

كانت سجى طالبة متفوقة في الثانوية العامة. ورغم أن منزل أسرتها المتواضع لم يكن يصدّ برد الشتاء ولا حر الصيف، كانت تدرس تحت ضوء مصباح خافت إلى ساعات الليل الأخيرة، تردد لنفسها:
"سأصبح طبيبة."

رأت في الطب طريقها الوحيد لخدمة أسرتها وإنقاذها من الفقر، وتحقيق أمنية والديها، ومداواة جراح الناس كما كانت والدتها تداوي إخوتها بالكلمة الطيبة.

لكن الواقع كان أقسى من الطموح. فوالدها أبو عماد، المعاق والعامل البسيط، كان يقاتل للحصول على لقمة العيش، ووالدتها تبكي بصمت خوفًا على حلم ابنتها من الانكسار.

نورٌ يشقّ العتمة

وبقدرٍ لم تتوقعه، وصلت قصة سجى إلى الصحفي عبد الهادي مسلم. زار منزلها فرأى أسرة أنهكتها الحياة دون أن تنال من إرادتها، وفتاة تحمل من الإصرار ما يجعل الحلم يبدو ممكنًا رغم المستحيل.

نُشرت قصتها، فبلغت قلب فلسطينية فاضلة في الولايات المتحدة، السيدة آية الهندي، عبر مؤسستها إيز أرك ومنسقتها في غزة حنين الجديلي، التي تابعت تنفيذ المنحة. وهكذا، فتحت أبواب جديدة لسجى… وبدأ الحلم يتحرك نحو الضوء.

أربع سنوات من الأمل

التحقت سجى بكلية الطب في جامعة الأزهر، فأثبتت تفوقها من جديد. كانت تحضر محاضراتها بشغف لا ينطفئ، وتعود إلى منزلها حاملة إنجازًا بعد آخر. كانت تشعر أن كل خطوة تقرّبها من حمل سماعة الطبيب التي حلمت بها منذ طفولتها.

مأساة تُطفئ النور

في ليلة السابع من ديسمبر 2023، استهدف قصف عنيف منزل عائلة الماشي الذي كان يحتضن نازحين لجأوا إليه طلبًا للأمان.
ثلاثة صواريخ، زنة الواحد منها طنّ من المتفجرات، كانت كفيلة بتحويل البيت إلى ركام.

استشهدت سجى، واستشهد معظم أفراد أسرتها، إلى جانب 17 مواطنًا آخرين، أغلبهم نساء وأطفال. وما زال بعض الضحايا تحت الأنقاض حتى اليوم.

بين الركام… صفحة أخيرة

حين بحث الأهالي بين الأنقاض، وجدوا كتاب الطب الخاص بسجى، مفتوحًا على صفحة كتبت عليها بخط يدها:

"يومًا ما سأكون طبيبة لأُداوي جراح غزة."

لكن ذلك اليوم لم يأتِ.
رحلت سجى، وبقيت كلماتها كأنها وصية… أو صرخة… أو حلمًا أُغتيل وهو في عز الضوء.

إرثٌ لا يموت

سجى ليست رقمًا في قائمة شهداء، ولا قصة عابرة في زمن الحرب،هي وجع وطن، وحلم جيل، ورسالة تقول إن الأحلام قد تُقتل، لكنها لا تُمحى.

رحلت سجى، لكن حلمها باقٍ.
باقٍ في كل طالب يدرس تحت القصف، في كل أم تُمسك بيد صغيرها وتقول له:
"احلم… فالأحلام لا تموت".