الضفة الغربية على صفيح ساخن: قراءة في الضم الصامت وتداعياته

بي دي ان |

27 نوفمبر 2025 الساعة 11:16م

المشرف العام
بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة في التاسع من أكتوبر الماضي، تنفس المواطنون الصعداء والتقطوا أنفاسهم التي بقيت لأكثر من سنتين حبيسة الخوف والخذلان، تعالت صيحات المواطنون وأطلقوا النار فرحا وابتهاجاً على أمل الانعتاق والخلاص من كابوس الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من (112) ألف شهيد، بينهم 27% أطفال، وفقا لدراسة ألمانية حديثة لمعهد ماكس بلانك الألماني، نافية ما تعلن عنه وزارة الصحة بغزة عن أرقام تتحدث حوّل (70) الف شهيد وما يقارب من ذلك. 

بعد مرور ما يقارب الشهرين على وقف الحرب الهش، والذي لم يصدق الخبر الذي كتب به، ولم يسير وفق ما تم الاتفاق عليه بمؤتمر شرم الشيخ ولا تمت حمايته بضمان الوسطاء والضامنون. 

خلال مرحلة الهدنة الجاري اختراقها، عبرت دولة الكيان عن امتعاظها الشديد لعدم تسليم حماس جميع الرهائن خاصة بعد تأخر تسليم الجثث، فتفاجئ الجميع بهرولة بعض الدول لتقديم امكانياتها وفرقها للبحث عن الجثث، في حين تمتنع إسرائيل عن فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية المتفق عليها، وخلال هذه الفترة قتلت أكثر من 350 شهيد، ومنعت دخول الكرفانات "البيوت المتنقلة" مما أدى إلى كارثة كبيرة مع دخول فصل الشتاء، حيث غرق الخيام وانعدام البنى التحتية لتزداد معاناة الناس أضعافاً مضاعفة، صاحب ذلك إخفاء العديد من المؤسسات والمبادرين للخيم التي من المفترض تقديمها للناس قبل دخول الموسم، على الرغم من أن الخيم ذاتها لا تقي برد ولا تحمي كرامة المواطن.
 
رغم استمرار وقف الحرب لكن المعاناة مستمرة في ظل غياب أي أفق سياسي واضح ينهي مأساة المواطنين والتي على مايبدو باتت مرتهنة لمدى الضغط الكبير الذي يمارسه ترامب على نتنياهو وليس ما يمارسه الوسطاء والضامنون، (إذا كانوا يشكلون ضغط)، ومع ذلك مازال نتنياهو يمارس خبثه محاولا التهرب من تنفيذ الإتفاق من خلال ربط تنفيذ المرحلة الثانية بالإفراج عن الجثتين المتبقيتين، ليغرق المواطنون في غزة بشتى أنواع الأزمات والكوارث. 

في ذات الوقت وبالتوازي مع ما تعانيه غزة، تعيش الضفة الغربية أسوأ فتراتها تحت الاحتلال الذي يسرع الضم والزحف الإستيطاني يوميا على الرغم من الوعودات التي أعطاها ثعلب إسرائيل لترامب والعرب، لكن الضم يتم سريعا وبدون إعلان رسمي، فالاقتحامات لمدن وبلدات الضفة الغربية باتت اعتيادية على النشرات الإخبارية وكذلك ميدانيا مع ضعف المقاومة حتى الشعبية. 

لقد استخدم الاحتلال مؤخراً طائرات "أباتشي" بالضفة في تطور ملحوظ للأسلحة والطائرات التي يستخدمها الاحتلال، كذلك طرد المواطنين الفلسطينيين من مخيماتهم وإغلاق محلاتهم وهدم البيوت، ونزوح عشرات الآلاف من المواطنين، فوفق تقديرات الأونروا: تشير إلى نحو 32 ألف فلسطيني في الضفة الغربية مهجرون قسريا بعد إفراغ إسرائيل مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس. 

وهذا ليس تصعيد خطير وحسب وإنما خطوات متقدمة لسيطرة كاملة على الضفة الغربية دون أي اعتبار لوجود سلطة فلسطينية ولا اتفاقات دولية، إن الاحتلال يتصرف بمنطق موازين القوى، دون أي رادع، والمؤشر الأخطر هو عدم وجود فعل فلسطيني قوي يتناسب مع خطورة الحدث الذي يهدد الوجود الفلسطيني على أرضه، ورغم ذلك متوقع أن يكون هناك انفجار شعبي كبير شبيه بالانتفاضة التي خاضها الفلسطينيون أكثر من مرة، نعم إن الضفة الغربية على صفيح ساخن وهي أقرب للانفجار في وجه الاحتلال، خاصة بعد زعزعة الاستقرار التي تعيشه الضفة والقدس على كافة الأصعدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. 

يعتبر الأسرى وما يتعرضون له جزءا كبيرا من معاناة الفلسطينيين خاصة ذوي الأسرى، بعد استمرار المضايقات بل والتعذيب الجسدي والنفسي والعزل الانفرادي الذي يعانيه الأسرى في سجون الاحتلال بعد قرارات بن غفير تجاههم والتي ضاعفت عشرات المرات من معاناتهم. 

إذا المشهد الفلسطيني برمته على الحافة، وعلى شفى هاوية، إذا لم يتم اتخاذ خطوات فلسطينية متسارعة وفاعلة لفضح الانتهاكات الإسرائيلية، فلا بد من تحريك الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والشعبية، تحريك الشوارع والميادين في أوروبا، عقد مؤتمرات صحفية يوميا لشرح الانتهاكات الخطيرة التي تمس المواطن والوطن، تظاهرات في شوارع الضفة والقدس، وكلمة لابد منها "على القيادة الفلسطينية حماية المواطنين من عنف المستوطنين وإجرامهم وهذا أضعف مايمكن فعله للمواطنين فلا يمكن أن يتركوا فريسة لشيطنة المستوطنين". 

في حين يتجهز العالم لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من نوفمبر الجاري، لابد من استثمار هذا اليوم بشتى الطرق لفضح انتهاكات الاحتلال، وتحشيد مناصرين لفلسطين، والتواصل مع مختلف البرلمانات والجامعات الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي المختلفة، وصولا لعزل الكيان دوليا قدر المستطاع. 

أعتقد أنه لدينا الكثير ما نفعله كفلسطينين لو امتلكنا جرأة اتخاذ القرار، وأحدثنا تغييرا في آلية تعاملنا مع الاحتلال، نحن بحاجة لخطاب وطني واضح يحدد مسؤوليات وواجبات المواطن والقيادة ليكون هنالك تلاحم وانسجام بالرؤى والخطوات في أصعب وأخطر مرحلة تعيشها القضية الفلسطينية.