زهران ممداني: ظاهرة سياسية حقيقية أم تجميل ذكي للنظام الأمريكي؟

بي دي ان |

08 نوفمبر 2025 الساعة 11:08م

الكاتب
فوز تاريخي يطرح أسئلة حول حدود التغيير في مدينة المال والنفوذ.

يشكّل فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك واحدة من أكثر اللحظات الرمزية في المشهد السياسي الأمريكي الحديث. ليس فقط لأنّ المدينة تمثّل قلب الاقتصاد والإعلام في الولايات المتحدة، بل لأنّ هذا الفوز جاء من خارج المنظومة التقليدية التي اعتادت أن تنتج وجوهًا محسوبة بدقة على مصالح النخب السياسية والمالية.

لكن خلف هذا الانتصار اللافت، يختبئ سؤال أكثر عمقًا: هل ما جرى يمثل فعلًا تحوّلًا حقيقيًا في السياسة الأمريكية، أم أنه مجرّد محاولة لتلميع وجه النظام عبر وجوه جديدة تحمل خطابًا أكثر إنسانية وتنوعًا؟

كيف فاز رغم التحديات؟

زهران ممداني لم يصل إلى هذا المنصب بسهولة. لقد واجه خصومًا يتمتعون بدعم إعلامي ومالي هائل، ومع ذلك استطاع أن يبني حملته على قاعدة اجتماعية متينة قوامها الشباب والمهاجرون وسكان الطبقات الوسطى والدنيا الذين سئموا من وعود النخبة.

خطابه السياسي ركّز على فكرة استعادة “الإنسان العادي” في قلب القرار السياسي، مستثمرًا حالة الغضب المتنامية من التفاوت الطبقي في نيويورك. تحدث بلغة الناس، لا بلغة الاقتصاديين، فكانت حملته أقرب إلى حراك اجتماعي منها إلى سباق انتخابي تقليدي.

بين الواقعية والطوباوية السياسية

رغم جاذبية برنامجه الانتخابي، الذي وعد فيه بإصلاحات كبرى مثل النقل العام المجاني وحماية المستأجرين ومحاسبة الشرطة، إلا أنّ معظم هذه الوعود تصطدم بواقع معقد.
فنيويورك ليست مدينة بسيطة؛ إنها شبكة مصالح مترابطة بين المال والسياسة والإعلام والعقارات، ما يجعل أي إصلاح عميق يهدد مصالح أطراف نافذة.

كما أن مجلس المدينة الذي سيعمل معه ممداني يضم أطيافًا مختلفة لا تشاركه جميعها رؤيته التقدمية. هذا يعني أن الصراع القادم لن يكون مع خصومه السابقين فحسب، بل مع المؤسسة البيروقراطية التي تحافظ على توازنات القوة منذ عقود.

لهذا، فإن السؤال الواقعي ليس ماذا وعد؟ بل ما الذي سيتمكن فعلاً من تحقيقه؟

موقفه من القضايا الدولية… فلسطين نموذجًا

من اللافت أنّ زهران ممداني لم يتردّد في إعلان مواقفه المؤيدة للشعب الفلسطيني، وهو أمر نادر في السياسة الأمريكية، خصوصًا في مدينة يهيمن فيها النفوذ المالي والإعلامي المؤيد لإسرائيل.

هذا الموقف منحه احترام شريحة واسعة من الشباب واليسار التقدمي، لكنه في الوقت نفسه فتح عليه باب مواجهة مع جماعات الضغط المؤثرة.
ومن هنا، ستُختبر قدرته على الصمود: هل سيبقى مخلصًا لقناعاته المبدئية، أم سيضطر إلى تعديل لهجته حين تبدأ الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية بالتزايد؟

قائد حقيقي أم إعادة إنتاج لنموذج مروّض؟

يرى بعض المراقبين أن صعود ممداني لا يمكن فصله عن التحولات داخل الحزب الديمقراطي نفسه، الذي يحاول تقديم نماذج “تقدمية مقبولة” — أي وجوه جديدة تخفف الاحتقان الاجتماعي دون أن تهدد فعليًا بنية النظام الرأسمالي الأمريكي.

من هذا المنظور، يمكن قراءة فوزه بوصفه جزءًا من عملية إعادة توازن داخل المنظومة، أكثر منه ثورة عليها.
غير أن آخرين يرون أن مجرد وصول شخص مثله — مهاجر، مسلم، تقدمي، ومن أصول جنوب آسيوية — إلى هذا المنصب، هو اختراق حقيقي في ذاته، حتى وإن كانت النتائج العملية محدودة في المدى القريب.

خاتمة: التغيير الرمزي والواقع الصلب

لا شك أن فوز زهران ممداني حدث استثنائي في السياسة الأمريكية. فهو يجسد طموح جيل جديد من القادة الذين يريدون تغيير قواعد اللعبة من الداخل، ويعطي الأمل للمهمّشين بأن صوتهم يمكن أن يُسمع.

لكن الحذر واجب. فالتجربة الأمريكية علّمتنا أن الخطاب الثوري غالبًا ما يُهذّب تحت ضغط المؤسسات، وأن الوجوه الجديدة، مهما كانت مخلصة، تصطدم في النهاية بجدار المصالح الصلب.

لهذا، لا ينبغي أن نرى في زهران ممداني “المخلّص السياسي”، بل مؤشّرًا على أن المجتمع الأمريكي بدأ يبحث بصدق عن نماذج مختلفة، حتى لو كانت حدود التغيير لا تزال ضيقة.
إنه تغيير رمزي مهمّ… لكنه في نهاية المطاف، يظل محكومًا بواقعٍ سياسي لا يرحم.