107 أعوام على وعد بلفور: رسالة استعمارية غيرت وجه فلسطين

بي دي ان |

02 نوفمبر 2025 الساعة 05:03م

قبل أكثر من قرن، وتحديدا في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، وقعت الحكومة البريطانية وثيقة قصيرة لا تتجاوز مئة كلمة، لكنها كانت كفيلة بتغيير ملامح الشرق الأوسط بأكمله. إنها "وعد بلفور"، الرسالة التي منحت اليهود – دون وجه حق – وعدا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، متجاهلة وجود شعب أصيل عاش على أرضه قرونا طويلة.
اليوم، وبعد مرور 107 أعوام على ذلك التصريح المشؤوم، ما تزال آثاره السياسية والإنسانية ماثلة في واقع الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يعاني من نتائج هذا الوعد حتى اللحظة.

 

وعد في زمن الحرب

جاء وعد بلفور في سياق الحرب العالمية الأولى، حين كانت بريطانيا تبحث عن تحالفات جديدة تدعمها في صراعها ضد الدولة العثمانية.
وفي الوقت نفسه، كانت الحركة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هرتزل قد كثفت جهودها للضغط على القوى الكبرى من أجل تحقيق مشروعها بإقامة دولة لليهود في فلسطين.
استجابت بريطانيا لتلك الضغوط، فبعث وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور برسالة إلى اللورد ليونيل روتشيلد، أحد أبرز قادة الجالية اليهودية البريطانية، يقول فيها:

"تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن لا يفعل شيء من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين."

لكن هذا "التحفظ" الأخير لم يطبق أبدا، بل تم تجاهله تماما خلال فترة الانتداب البريطاني.

 

من التصريح إلى الواقع: تنفيذ الوعد بالقوة

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضعت عصبة الأمم فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، لتبدأ مرحلة تنفيذ وعد بلفور على الأرض.
فتحت بريطانيا أبواب الهجرة أمام اليهود الأوروبيين، وقدمت لهم الدعم العسكري والاقتصادي، في الوقت الذي قمعت فيه أي مقاومة فلسطينية ضد سياسات التهجير والاستيطان.
ومع تزايد أعداد المستوطنين اليهود وتنامي نفوذ العصابات الصهيونية المسلحة، مهدت بريطانيا الطريق لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، ما أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني وتشريد أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم.
هكذا تحول الوعد من تصريح سياسي إلى مشروع استعماري مكتمل الأركان، هدفه تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين وإحلال كيان جديد مكانهم.

 

الموقف القانوني والسياسي: وعد بلا شرعية

يؤكد خبراء القانون الدولي أن وعد بلفور باطل قانونيا وأخلاقيا، لأن بريطانيا لم تكن تملك أي سيادة على فلسطين حين صدر الوعد، ولم تستشر سكانها الأصليين الذين كانوا يشكلون حينها أكثر من 90% من السكان.
كما أن الوعد يتعارض مع مبادئ حق تقرير المصير التي أصبحت لاحقا أحد أسس القانون الدولي.
ورغم مرور أكثر من قرن على صدوره، ما تزال بريطانيا ترفض الاعتذار عنه رسميا، مكتفية بتصريحات سياسية "غامضة" تعبر عن "الأسف لمعاناة الفلسطينيين".

 

الذاكرة الفلسطينية: وعد لا ينسى

في فلسطين، لا تعتبر ذكرى وعد بلفور حدثا تاريخيا فحسب، بل جرحا مفتوحا في الذاكرة الوطنية.
تحيي المدن الفلسطينية كل عام ذكرى الوعد بمسيرات وفعاليات احتجاجية تطالب بريطانيا بالاعتذار والاعتراف بمسؤوليتها التاريخية عن النكبة والاحتلال.
ويرى كثير من الفلسطينيين أن وعد بلفور لم يكن مجرد "تصريح سياسي"، بل بداية المشروع الصهيوني الاستعماري الذي ما زال يتجدد بأشكال مختلفة حتى اليوم، من خلال الاستيطان، والتهويد، والحصار، ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية.

 

خاتمة: الوعد الذي لم يمح

بعد 107 أعوام على صدور وعد بلفور، لا تزال نتائجه قائمة، من تهجير الملايين إلى استمرار الاحتلال والاستيطان في الأرض الفلسطينية.
ورغم محاولات طمس الحقيقة التاريخية، يبقى وعد بلفور شاهدا على الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، ودليلا على مسؤولية القوى الاستعمارية في مأساته المستمرة.
ومع استمرار النضال الفلسطيني، يظل المطلب المركزي واضحا: الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتصحيح الخطأ الذي بدأ في رسالة عمرها أكثر من قرن.