غزة إلى أين؟ قراءة تحليلية في المشهد الراهن واستشراف للمستقبل القريب

بي دي ان |

02 نوفمبر 2025 الساعة 11:09ص

الكاتب
رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، فإن الواقع في قطاع غزة لا يعكس نهاية لحالة الحرب، بقدر ما يؤسس لمرحلة جديدة من اللاحرب واللاسلم، تقف فيها غزة بين مدّ وجزر، تحكمها حسابات الاحتلال الإسرائيلي، والموازين الدولية المتقلبة، وضعف الموقف العربي، في ظل معاناة إنسانية مركّبة ونظام حياة مدمَّر.

أولاً: غزة في وضع هش ومفتوح على احتمالات التصعيد
الوضع الراهن في غزة يشبه "الهدوء القلق"، حيث لم تُحسم الملفات الكبرى بعد، لا إعادة الإعمار، ولا ملف الأسرى، ولا طبيعة الحكم في القطاع، ولا حتى الدور المستقبلي للمقاومة. في المقابل، الاحتلال يصرّ على بقاء غزة تحت الضغط، دون كهرباء أو ماء كافٍ، بلا إعمار حقيقي أو حياة اقتصادية ممكنة، ما يجعل البيئة مهيأة لانفجار جديد.

ثانياً: تحوّلات في العقيدة العسكرية الإسرائيلية
إسرائيل باتت تميل بشكل واضح إلى تبني استراتيجية الهجوم والضربات الوقائية، خاصة في ظل تصاعد التهديد الإيراني، وتنامي تحالفات إيران مع الصين وروسيا. هذا التحول يجعل كل الساحات مفتوحة على احتمالات تصعيد، ليس فقط في غزة، بل في لبنان، وسوريا، وحتى في إيران نفسها.

ثالثاً: الداخل الإسرائيلي والأمريكي المضطرب
الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل، من انقسام سياسي حاد، وفقدان الثقة بالمؤسسة العسكرية، وتراجع الاقتصاد، تدفع نتنياهو إلى البحث عن "إنجاز أمني" يعيد له شرعيته. كما أن أمريكا تواجه أزمات داخلية، وانقسامًا سياسيًا حادًا، واحتمال تغير إدارتها في الانتخابات القادمة، مما يجعل دورها كوسيط أو داعم لإسرائيل أقل استقرارًا.

رابعاً: غزة… بين مطرقة الواقع وسندان المستقبل 
في ظل هذه المعادلات، تبدو غزة أمام مشهد ضبابي، يعاني فيه الناس من انهيار البنية التحتية، ونقص الخدمات، وغياب أفق سياسي. كما أن تعقيد الجغرافيا وحجم السكان والكثافة الشديدة، لا يسمح بحرب استنزاف طويلة، في ظل انعدام خطوط الإمداد، وتخلٍ إقليمي عن دعم فعّال.

خامساً: هل هناك أمل؟  
أي تغيير حقيقي في غزة لن يحدث إلا بتغيّر ثلاثة عوامل رئيسة:

1. تحول في الموقف الإقليمي والدولي، وخاصة بإجبار الاحتلال على رفع الحصار وبدء عملية سياسية واقعية.
2. وحدة فلسطينية داخلية تقود لمشروع وطني يوازن بين المقاومة والحكمة السياسية.
3. تغير في الواقع الإسرائيلي الداخلي، سواء بخروج نتنياهو من المشهد، أو تصاعد قوى إسرائيلية ترى أن الحل لا يمكن أن يكون أمنيًا فقط.

الخلاصة:
غزة الآن ليست في مرحلة "ما بعد الحرب"، بل في بداية فصل جديد من الصراع، عنوانه "إدارة الأزمات"، و"منع الانفجار" لا "حل المشكلة". على الفلسطينيين أن يدركوا أن القادم يتطلب قراءة دقيقة للواقع، وتوازنًا بين الصمود الميداني والحنكة السياسية. فالعدو لن يترك غزة تستعيد عافيتها بسهولة، لكن وحدة الكلمة ووضوح الرؤية قد يقربان يوم الفرج.