ورقة التوت الأخيرة: هل تُخفي خطة ترامب نهاية المشروع الوطني الفلسطيني؟
بي دي ان |
30 سبتمبر 2025 الساعة 05:54م

بعد إعلان البيت الأبيض عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروفة بـ"الـ21 نقطة" لإنهاء الصراع في غزة رسميًا، بعد صدور بيان رسمي من البيت الأبيض الاثنين، 29 سبتمبر 2025، يُفصِّل الخطة بشكل صريح عقب اجتماع ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
حيث وصف البيان الخطة كـ"إطار شامل لإنهاء النزاع في غزة"، مشددًا على وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق سراح جميع الرهائن في غضون 72 ساعة من بدء سريانها، وإنهاء حكم حماس بشكل كامل، مع تحويل غزة إلى "منطقة خالية من الإرهاب وغير متطرفة لا تشكل تهديدًا لجيرانها".
كما تتضمن الخطة برنامج إعادة إعمار مدعوم بتمويل من دول عربية ومسلمة، وقوة أمنية دولية عربية للسيطرة على المنطقة لمدة ثلاث سنوات، مع انتقال تدريجي للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحات، ووعد بحوار بين إسرائيل والفلسطينيين لتحديد "أفق سياسي للتعايش السلمي والازدهار"، بما في ذلك مسار للدولة الفلسطينية ومع ذلك، يثير هذا البيان تساؤلًا مصيريًا هل تشكل هذه الخطة بوابة حقيقية لإعادة إحياء فكرة الدولة الفلسطينية، أم أنها مجرد قناع جديد يعزز واقع الحكم الذاتي المُقَيد، الذي يُفرِغ الحقوق الفلسطينية من جوهرها السيادي؟
لكي يكون التعليق على بيان البيت الأبيض بَنّاءً لا بد من قراءة تحليلية موضوعية لكشف ما تُخفيه ورقة التوت "خطة ترامب"، وقراءة ما إذا كانت تحمل الخطة مسارًا حقيقيًا لإنهاء الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية، أم أنها ستكرس الواقع الحالى والإدارة المدنية الرمزية.
الجانب الأول... قراءة في فُرص مسار الدولة
لا يُمكن تجاهل أن بعض مكونات الخطة، كما وردت في البيان الرسمي، قد تُمثل أساسًا للتقدم، إذا توافرت إرادة سياسية دولية صادقة فمن جانب يُشكل "وقف إطلاق النار الدائم" تحت إشراف دولي الخطوة الأولى الحاسمة لوقف الدمار الذي أودى بحياة أكثر من مئتي ألف قتيل وجريح، وتهيئة بيئة مستقرة، ويتصل بهذا مباشرة برنامج إعادة الإعمار، الذي يُمكن -إذا تم إدارته بشفافية كاملة- أن يصبح نواة لبناء مؤسسات دولة قابلة للحياة، بشرط أن تتولاه سلطة فلسطينية موحدة ومستقلة، مع تمويل عربي وإشراف أممي كما يحدد البيان.
الضامن لهذا هنا هو وجود آلية تنفيذ دولية تشمل جهات فاعلة مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ودول عربية داعمة (مثل مصر، الامارات، والسعودية)، والتي قد توفر رقابة فعالة على التنفيذ وتحمي العملية من الانتكاسات.
يُمكن لهذا الإطار الذي يتضمن قوة أمنية عربية لفترة زمنية محددة، أن يُحوّل الخطة من وثيقة جامدة إلى مسار سياسي حيوي يفرض جدولًا زمنيًا لمناقشة القضايا الرئيسة مثل القدس واللاجئين والحدود، ويربط بوضوح بين المراحل الانتقالية والهدف النهائي تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، حيث ألمح البيان إلى "مسار موثوق للتحرر الذاتي والدولة" بعد إصلاح السلطة الفلسطينية.
نجاح سيناريو الدولة مرهون بقدرة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم وإعادة صياغة مشروعهم الوطني مرتكزًا على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والاعترافات الأممية بالدولة الفلسطينية، وعلى إمكانية الدول العربية استغلال نفوذها ورأسمالها السياسي -كما في التمويل والقوة الأمنية- لربط أي خطوة في الخطة بجدول زمني واضح لإعلان الدولة، بالإضافة إلى قدرة المجتمع الدولي على فرض آلية تنفيذ ملزمة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية مستفيدة من الوعد بالحوار السياسي في البيان.
الجانب الآخر للخطة.. مصيدة الإدارة الرمزية وتعزيز الواقع الحالي...
تبدو هذه الرؤية المتشائمة أكثر واقعية، وربما الأكثر احتمالًا في ظل توازنات القوى الراهنة والتركيز الإسرائيلي على "الأمن" كما يعكسه بيان البيت الأبيض فالخطة عند قراءتها بعمق تحمل كل عناصر "مصيدة الإدارة المدنية الدائمة، إذ تركز بشكل مفرط على "الحل الأمني" كشرط أولي لأي تقدم سياسي، مما يعني تحويل الأراضي الفلسطينية إلى كيانين أمنيين خاضعين لإسرائيل، يدير شؤونه المدنية ذاتيًا لكنه يفتقر إلى عناصر السيادة الحقيقية مثل الحدود والقرار المستقل خاصة مع الإصرار على إنهاء دور حماس دون ضمانات واضحة للسيادة الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية، وكذلك في حال رفضت حماس الاتفاق أو أخّرته، فإن المساعدات والمشاريع ستستمر في المناطق التي ستُسلَّم لقوة الاستقرار الدولية تحت إشراف "مجلس السلام" الدولي الجديد برئاسة ترامب، وعضوية شخصيات وقادة دول، بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.. مما يعني صراحة استمرار الحرب وإنشاء مناطق عازلة تحت إشراف قوة الاستقرار الدولية.
يأتي ذلك مدعومًا بفصل خطير بين ملفي الإعمار والسياسة، حيث يُقَدم وعود المساعدات والتطوير بما في ذلك تمويل عربي لإعادة الإعمار كبديل عن الحقوق السياسية، كما يُبرز البيان التركيز على "الانسحاب الإسرائيلي التدريجي" دون جدول زمني ملزم، هذا الفصل يُحدث تحوّلاً خطيراً في جوهر الصراع من قضية تحرر وتقرير مصير إلى مجرد إدارة أزمات إنسانية وإغاثية ولربما إدارة عقارية لتحقيق رؤية ترامب حول ريفيرا الشرق.
وفي هذا الإطار يتم تأجيل الملفات الحاسمة إلى موعد غير محدد، مما يتيح تعزيز الواقع القائم سيما مع استمرار توسع المستوطنات في الضفة الغربية.
سيناريو الإدارة الدائمة وهو السيناريو الخفي في الخطة، والأكثر سهولة في التطبيق، حيث تتحول الخطة إلى أداة لـ"تطبيع الاحتلال" وإضفاء شرعية على حكم ذاتي محدود في كيانين منفصلين سياسيًا وإداريًا، مع عفو مشروط عن أعضاء حماس لكن دون سيطرة فلسطينية كاملة، مما يعني تحويل السلطة الفلسطينية إلى مجرد "إدارة محلية حال التزمت بشروط اصلاحها" مسؤولة عن الخدمات والأمن الداخلي، بينما تبقى مفاتيح السيادة الحقيقية في يد الطرف المحتل، خاصة إذا فشل الحوار في تحقيق "التعايش السلمي" كما يُشترط.
المحصلة فإن السيناريوهات المتوقعة
في النهاية خطة الـ21 نقطة كما صُوِّرت في بيان البيت الأبيض اليوم تُعد إطارًا تفاوضيًا مرنًا وقيمتها الحقيقية ليست في نصوصها بقدر ما هي في توازنات القوى التي ستحدد تنفيذها سيما أنها لم تقدم مقابل سياسي واضح وهي تضع الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي أمام منعطف حاسم.
بين سيناريو النفق الذي ينتهي بنور الدولة، وسيناريو المصيدة الزائفة التي تكرس الوصاية إلى الأبد، تقف القضية الفلسطينية عند نقطة تحوّل مصيرية، المحك فيها لن يكون في نصوص الخطة أو بيان البيت الأبيض، بل في الإرادة الجماعية وقدرتها على تحويل حظة ترامب هذه إلى دَفعة سياسية لا عودة عنها، تنقل الشعب الفلسطيني من دوامة "إدارة الأزمات" إلى آفاق "تحقيق الحقوق".
حيث وصف البيان الخطة كـ"إطار شامل لإنهاء النزاع في غزة"، مشددًا على وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق سراح جميع الرهائن في غضون 72 ساعة من بدء سريانها، وإنهاء حكم حماس بشكل كامل، مع تحويل غزة إلى "منطقة خالية من الإرهاب وغير متطرفة لا تشكل تهديدًا لجيرانها".
كما تتضمن الخطة برنامج إعادة إعمار مدعوم بتمويل من دول عربية ومسلمة، وقوة أمنية دولية عربية للسيطرة على المنطقة لمدة ثلاث سنوات، مع انتقال تدريجي للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحات، ووعد بحوار بين إسرائيل والفلسطينيين لتحديد "أفق سياسي للتعايش السلمي والازدهار"، بما في ذلك مسار للدولة الفلسطينية ومع ذلك، يثير هذا البيان تساؤلًا مصيريًا هل تشكل هذه الخطة بوابة حقيقية لإعادة إحياء فكرة الدولة الفلسطينية، أم أنها مجرد قناع جديد يعزز واقع الحكم الذاتي المُقَيد، الذي يُفرِغ الحقوق الفلسطينية من جوهرها السيادي؟
لكي يكون التعليق على بيان البيت الأبيض بَنّاءً لا بد من قراءة تحليلية موضوعية لكشف ما تُخفيه ورقة التوت "خطة ترامب"، وقراءة ما إذا كانت تحمل الخطة مسارًا حقيقيًا لإنهاء الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية، أم أنها ستكرس الواقع الحالى والإدارة المدنية الرمزية.
الجانب الأول... قراءة في فُرص مسار الدولة
لا يُمكن تجاهل أن بعض مكونات الخطة، كما وردت في البيان الرسمي، قد تُمثل أساسًا للتقدم، إذا توافرت إرادة سياسية دولية صادقة فمن جانب يُشكل "وقف إطلاق النار الدائم" تحت إشراف دولي الخطوة الأولى الحاسمة لوقف الدمار الذي أودى بحياة أكثر من مئتي ألف قتيل وجريح، وتهيئة بيئة مستقرة، ويتصل بهذا مباشرة برنامج إعادة الإعمار، الذي يُمكن -إذا تم إدارته بشفافية كاملة- أن يصبح نواة لبناء مؤسسات دولة قابلة للحياة، بشرط أن تتولاه سلطة فلسطينية موحدة ومستقلة، مع تمويل عربي وإشراف أممي كما يحدد البيان.
الضامن لهذا هنا هو وجود آلية تنفيذ دولية تشمل جهات فاعلة مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ودول عربية داعمة (مثل مصر، الامارات، والسعودية)، والتي قد توفر رقابة فعالة على التنفيذ وتحمي العملية من الانتكاسات.
يُمكن لهذا الإطار الذي يتضمن قوة أمنية عربية لفترة زمنية محددة، أن يُحوّل الخطة من وثيقة جامدة إلى مسار سياسي حيوي يفرض جدولًا زمنيًا لمناقشة القضايا الرئيسة مثل القدس واللاجئين والحدود، ويربط بوضوح بين المراحل الانتقالية والهدف النهائي تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، حيث ألمح البيان إلى "مسار موثوق للتحرر الذاتي والدولة" بعد إصلاح السلطة الفلسطينية.
نجاح سيناريو الدولة مرهون بقدرة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم وإعادة صياغة مشروعهم الوطني مرتكزًا على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والاعترافات الأممية بالدولة الفلسطينية، وعلى إمكانية الدول العربية استغلال نفوذها ورأسمالها السياسي -كما في التمويل والقوة الأمنية- لربط أي خطوة في الخطة بجدول زمني واضح لإعلان الدولة، بالإضافة إلى قدرة المجتمع الدولي على فرض آلية تنفيذ ملزمة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية مستفيدة من الوعد بالحوار السياسي في البيان.
الجانب الآخر للخطة.. مصيدة الإدارة الرمزية وتعزيز الواقع الحالي...
تبدو هذه الرؤية المتشائمة أكثر واقعية، وربما الأكثر احتمالًا في ظل توازنات القوى الراهنة والتركيز الإسرائيلي على "الأمن" كما يعكسه بيان البيت الأبيض فالخطة عند قراءتها بعمق تحمل كل عناصر "مصيدة الإدارة المدنية الدائمة، إذ تركز بشكل مفرط على "الحل الأمني" كشرط أولي لأي تقدم سياسي، مما يعني تحويل الأراضي الفلسطينية إلى كيانين أمنيين خاضعين لإسرائيل، يدير شؤونه المدنية ذاتيًا لكنه يفتقر إلى عناصر السيادة الحقيقية مثل الحدود والقرار المستقل خاصة مع الإصرار على إنهاء دور حماس دون ضمانات واضحة للسيادة الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية، وكذلك في حال رفضت حماس الاتفاق أو أخّرته، فإن المساعدات والمشاريع ستستمر في المناطق التي ستُسلَّم لقوة الاستقرار الدولية تحت إشراف "مجلس السلام" الدولي الجديد برئاسة ترامب، وعضوية شخصيات وقادة دول، بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.. مما يعني صراحة استمرار الحرب وإنشاء مناطق عازلة تحت إشراف قوة الاستقرار الدولية.
يأتي ذلك مدعومًا بفصل خطير بين ملفي الإعمار والسياسة، حيث يُقَدم وعود المساعدات والتطوير بما في ذلك تمويل عربي لإعادة الإعمار كبديل عن الحقوق السياسية، كما يُبرز البيان التركيز على "الانسحاب الإسرائيلي التدريجي" دون جدول زمني ملزم، هذا الفصل يُحدث تحوّلاً خطيراً في جوهر الصراع من قضية تحرر وتقرير مصير إلى مجرد إدارة أزمات إنسانية وإغاثية ولربما إدارة عقارية لتحقيق رؤية ترامب حول ريفيرا الشرق.
وفي هذا الإطار يتم تأجيل الملفات الحاسمة إلى موعد غير محدد، مما يتيح تعزيز الواقع القائم سيما مع استمرار توسع المستوطنات في الضفة الغربية.
سيناريو الإدارة الدائمة وهو السيناريو الخفي في الخطة، والأكثر سهولة في التطبيق، حيث تتحول الخطة إلى أداة لـ"تطبيع الاحتلال" وإضفاء شرعية على حكم ذاتي محدود في كيانين منفصلين سياسيًا وإداريًا، مع عفو مشروط عن أعضاء حماس لكن دون سيطرة فلسطينية كاملة، مما يعني تحويل السلطة الفلسطينية إلى مجرد "إدارة محلية حال التزمت بشروط اصلاحها" مسؤولة عن الخدمات والأمن الداخلي، بينما تبقى مفاتيح السيادة الحقيقية في يد الطرف المحتل، خاصة إذا فشل الحوار في تحقيق "التعايش السلمي" كما يُشترط.
المحصلة فإن السيناريوهات المتوقعة
في النهاية خطة الـ21 نقطة كما صُوِّرت في بيان البيت الأبيض اليوم تُعد إطارًا تفاوضيًا مرنًا وقيمتها الحقيقية ليست في نصوصها بقدر ما هي في توازنات القوى التي ستحدد تنفيذها سيما أنها لم تقدم مقابل سياسي واضح وهي تضع الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي أمام منعطف حاسم.
بين سيناريو النفق الذي ينتهي بنور الدولة، وسيناريو المصيدة الزائفة التي تكرس الوصاية إلى الأبد، تقف القضية الفلسطينية عند نقطة تحوّل مصيرية، المحك فيها لن يكون في نصوص الخطة أو بيان البيت الأبيض، بل في الإرادة الجماعية وقدرتها على تحويل حظة ترامب هذه إلى دَفعة سياسية لا عودة عنها، تنقل الشعب الفلسطيني من دوامة "إدارة الأزمات" إلى آفاق "تحقيق الحقوق".