طولكرم… مدينة منكوبة بين حصار الاستيطان والانهيار الاقتصادي

بي دي ان |

28 سبتمبر 2025 الساعة 11:01م

الكاتب
لم تعد معاناة طولكرم ومخيميها مجرد حدث أمني عابر أو نتيجة لظروف طارئة، بل باتت حالة متكاملة من النكبة الإنسانية التي تفقد فيها المدينة مقومات الحياة الأساسية، وتستحق توصيفها القانوني كـ "مدينة منكوبة" وفق المعايير الدولية.

التعريف القانوني للمدينة المنكوبة

في القانون الدولي الإنساني والأعراف المرتبطة بالكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، تُعرَّف المدينة المنكوبة بأنها:
"الوحدة السكانية التي تتعرض لدمار واسع في بنيتها التحتية، وتعجز عن توفير الخدمات الأساسية لسكانها (ماء، كهرباء، صحة، غذاء)، بما يؤدي إلى فقدان القدرة على الحياة الطبيعية ويستدعي تدخلاً عاجلاً محليًا ودوليًا للإغاثة والإعمار."
وبهذا التعريف، فإن طولكرم تنطبق عليها كامل الشروط، بعد تدمير بنيتها التحتية، وتهجير سكان مخيمي طولكرم ونور شمس، وانهيار قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

الانهيار الاقتصادي والاجتماعي

الوضع الاقتصادي في طولكرم يزداد قتامة:
التجار والشركات لم يعد بإمكانهم الوفاء بالتزاماتهم تجاه الموردين والمصارف بسبب الحصار وتعطل الحركة التجارية.
الأفراد باتوا عاجزين عن سداد القروض والالتزامات المالية، ما يخلق أزمة ثقة وتهديدًا للاستقرار الاجتماعي.
الزراعة، التي مثلت تاريخيًا عصب اقتصاد طولكرم، أصيبت بالشلل جراء مصادرة الأراضي وتجريفها.
البطالة ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، مما زاد من نسب الفقر وأضعف قدرة الأسر على البقاء.
القطاع الصحي يعاني عجزًا خطيرًا في المعدات والإمدادات، والمستشفيات لم تعد قادرة على استقبال الأعداد المتزايدة من المصابين والمرضى.
إن هذا الانهيار المتكامل يُفقد المدينة قدرتها على ممارسة وظائفها الطبيعية، ويجعلها بحاجة إلى معالجات استثنائية تأخذ بالاعتبار الظروف القاهرة التي يمر بها السكان.

البعد الاستيطاني والسياسي

ما يجري في طولكرم ليس معزولًا عن السياق العام في الضفة الغربية. الحصار، التهجير، وتدمير البنية التحتية جزء من مخطط استراتيجي يهدف إلى:

1. خنق المدن الفلسطينية وتحويلها إلى جزر معزولة.
2. توسيع المستوطنات عبر مصادرة الأراضي الزراعية الخصبة.
3. تفكيك المخيمات كخطوة على طريق تصفية قضية اللاجئين وحق العودة.
4. خلق وقائع ديموغرافية تجعل من قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرًا مستحيلًا.

المسؤولية القانونية والدولية

وفق اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، يُعتبر تهجير السكان وتدمير الممتلكات مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني. كما أن قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 2334 (2016)، أكدت عدم شرعية الاستيطان وطالبت بوقفه. إن ما يحدث في طولكرم يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة الدولية.

المطلوب: رؤية استثنائية لإغاثة طولكرم

الوضع الراهن يتطلب معالجات عاجلة واستثنائية، أبرزها:

إغاثة عاجلة لإعادة تشغيل البنى التحتية من كهرباء ومياه وطرق.

خطة اقتصادية طارئة لدعم التجار والشركات والأفراد، وتأجيل أو إعادة جدولة الالتزامات المالية في ظل الوضع الكارثي.

دعم القطاع الصحي بالأدوية والمستلزمات لتلبية الاحتياجات الإنسانية.

تحرك سياسي وقانوني لتصنيف طولكرم رسميًا كمدينة منكوبة، بما يلزم المجتمع الدولي بالتدخل العاجل.

خاتمة

طولكرم اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل مدينة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى قانوني وإنساني. استمرار الوضع الحالي دون تدخل استثنائي سيحوّلها إلى نموذج لانهيار شامل قد يمتد إلى مدن الضفة الغربية كافة. المطلوب ليس فقط التضامن، بل وضع خطط عملية وإجراءات عاجلة تحفظ حياة سكانها وتمنع استكمال المخطط الاستيطاني الذي يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.