اليوم التالي في خطة ترمب

بي دي ان |

01 سبتمبر 2025 الساعة 02:40ص

الكاتب
لم يكن عدم منح إدارة دونالد ترمب تأشيرات الدخول للوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس عباس للمشاركة في اعمال الدورة ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر الحالي، المؤشر الوحيد على معاداة الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا، وانغماسها اللا مشروط والكامل في الإبادة الجماعية على أبناء الشعب في مختلف محافظات الوطن، وخاصة في قطاع غزة، لا بل ان التشخيص الادق لموقف الإدارة الافنجليكانية برئاسة تاجر العقارات يتمثل في قيادة دفة جائحة الإبادة والكارثة، واسقاط البعد السياسي والقانوني الهوياتي عن الشعب الفلسطيني، واعتباره مجموعة من السكان بلا هوية، وبلا موروث حضاري ثقافي، ولا يربطهم تاريخ ومشروع وطني، وحتى نزع الصفة الإنسانية عنهم، والتعامل معهم ك "عبيد" و"طارئين" في وطنهم الأم فلسطين، وباعتبارهم جزءً من الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط، عاكسة الواقع رأسا على عقب، في عملية تشويه غير مسبوقة في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يجري طمس مكانة وهوية الشعب الفلسطيني الاصلاني، ونزع كينونته وتراثه والقائه في مهب الريح، بالمقابل تضفي على دولة إسرائيل اللقيطة والنازية الطارئة في فلسطين والوطن العربي طابع لا يمت لها بصلة، وتقف خلفها لتدعم مكانتها وحضورها في عموم الإقليم الشرق اوسطي وترسيم تسيدها عليه، وتمنع وتحول دون مطلق دولة في الإقليم او العالم أو مؤسسة أو هيئة قضائية دولية من التعرض لها، وإطلاق يدها لتتغول على الشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية ودول الإقليم، وتدوس على مصالحهم الوطنية والقومية وتسمح لها باستباحة المنظومة العالمية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وارتباطا بما تقدم، فإن الرهان على الولايات المتحدة الأميركية بكل اداراتها المتعاقبة في دعم خيار السلام وتكريس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، هو رهان خاسر، ونابع من الوهم الناتج عن ثقل ومركزية الدور الأميركي في السياسة الدولية عموما وفي ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لا سيما وان دولة إسرائيل النازية وجدت وخلقت ودعمت على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية، كونها أداة وظيفية لخدمة المصالح الحيوية للغرب الامبريالي العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة، ولذا لا يمكن لمطلق إدارة أميركية ودولة واشنطن العميقة ان تكون محايدة، أو متوازنة وموضوعية في معالجة مساقات الصراع، والا لن تكون الولايات المتحدة هي ذاتها، الا عندما تفترض أن إسرائيل باتت عبئا عليها، أو أن دورها التاريخي في القرار السياسي الدولي اضمحل، ولم يعد لها حضور عالمي، كما هو الان، أو ان تتآكل دولة إسرائيل من داخلها بحرب أهلية تفقدها ديمومة البقاء.
وتعزيزا لما تقدم، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أمس الاحد 31 آب / أغسطس الماضي عن الخطة التي تناولتها إدارة الرئيس ترمب تحت عنوان "خطة اليوم التالي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة" في اجتماع موسع شارك فيه كل من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وجارد كوشنير صهر الرئيس الأميركي وعدد من مسؤولي الادارة يوم الأربعاء 27 اب / أغسطس الماضي. وأشارت الصحيفة الأميركية، ان الخطة تقع في 38 صفحة، وتهدف الى تحويل قطاع غزة الى منتجع سياسي "ريفيرا الشرق"، ومركز للتكنولوجيا وللصناعات الحديثة، وهي ذات الخطة التي طرحها الرئيس التاجر في شباط / فبراير 2025 في مؤتمر صحفي مشترك مع بنيامين نتنياهو، رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، ونادى آنذاك بتهجير قسري للمليونين و300 الف فلسطيني الى خارج وطنهم، في ابشع واقذر عملية تطهير عرقي للشعب الفلسطيني، ورغم تراجعه النسبي بعض الوقت، لكن هدف التهجير القسري وبناء مشروع عقاري تجاري على ارض قطاع غزة بالتلازم مع نهب النفط والغاز لم يفارقهن للحظة، بالاضافة الى اشادة مركز تكنولوجي متقدم.
ووفق الخطة، فإن إدارة ترمب تريد فرض الوصاية على قطاع غزة لمدة عشر سنوات، بعد طرد وتهجير قطاع واسع من السكان، وإعادة توطين بعضهم، لاستخدام أيديهم العاملة والرخيصة في تنفيذ مآرب الرئيس الجمهوري، كما سيتم انشاء صندوق ائتماني لذات الغرض، والصندوق سيقدم لمالكي الاراض رمزا رقميا مقابل حقوق إعادة تطوير ممتلكاتهم، لاستخدامها في تمويل حياة جديدة في مكان آخر خارج غزة، أو استبدالها في نهاية المطاف بشقة في واحدة من 6 الى 8 مدن ذكية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي سيتم بناؤها في غزة.  
بعيدا عن التفاصيل المتعلقة بالخطة، ومع التركيز على جوهرها، الذي يتمسك به ترمب وفريقه وصهره صاحب الفكرة الأساس في تحول قطاع غزة لمنتجع سياحي، ونهب الغاز والنفط، فإن الناظم الأساس للإدارة الأميركية هو قيادة دفة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وتعميق عمليات التطهير العرقي من الوطن الفلسطيني في الضفة والقطاع، شطب وتصفية الكيانية الفلسطينية، وتكريس سيادة إسرائيل النازية على الإقليم، وبناء إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، وفرض التطبيع الكامل على الدول العربية تحت سيف التهديد والترهيب واستخدام العصا الغليظة الأميركية لتطويع اهل النظام العربي من أقصاه الى أقصاه للاستسلام لمشيئة واشنطن وتل ابيب، الامر الذي يتطلب إعادة نظر في اليات التعامل مع إدارة ترمب، وبحكمة ودون تطير، ولكن دون خفض الصوت اكثر من اللازم، لأن اللحظة تتطلب رفع الصوت الواعي والشجاع، واشتقاق برنامج كفاحي يتلاءم واللحظة السياسية الراهنة والمستقبلية، واعتبار الولايات المتحدة على رأس قائمة الأعداء للشعب العربي الفلسطيني، لأن المداهنة لم تعد تخدم المصالح الوطنية.
[email protected]
[email protected]