إسرائيل الكبرى: تصريحات نتنياهو وتحديات العرب في مواجهة التوسع الاستعماري الصِّهيوني

بي دي ان |

14 أغسطس 2025 الساعة 12:26م

الكاتب
في مقابلة إذاعية مع قناة i24 News، مساء يوم الثلاثاء الموافق 12 أغسطس 2025، كشف رئيس وزراء الاحتلال عن رؤية جيوسياسية عميقة للصراع القائم في المنطقة، مرتبطة بمفهوم "إسرائيل الكبرى"، معتبراً أن مهمته التاريخية لا تكتمل إلا بتحقيق هذا المشروع التوسعي الذي يمثل حلماً لأجيال متعاقبة. ما يميز هذا التصريح ليس مجرد إعلان موقف سياسي، بل الجرأة في رسم خريطة مستقبلية علنية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وأجزاءً من الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق والسعودية، وهو ما يمثل تجاوزاً خطيراً لكل القوانين والأعراف الدولية.

المشروع التوسعي: من التصريح إلى التنفيذ
التصريح لا يعكس رؤية داخلية فحسب، بل يشير إلى مشروع جيوسياسي وديني يهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الاحتلال التوسعية، بدعم من الإدارة الأمريكية، مع احتمال تشكيل تحالفات مع بعض الدول الإقليمية تحت شعار "السلام مقابل الاعتراف"، على غرار اتفاقيات التحالف الإبراهيمي الموقعة مع دول عربية عام 2020. لكن هناك فرق جوهري: بينما تُوظف الاتفاقيات كأداة للتطبيع السياسي، فإن رؤية "إسرائيل الكبرى" تقرّب الاحتلال من السيطرة الكاملة على الموارد والأراض الفلسطينية والعربية الاستراتيجية، ما يزيد احتمالية اندلاع صراعات جديدة إذا لم تُتخذ خطوات عملية وحازمة لردع المشروع التوسعي الاستعماري.

تصاعد التصريحات: هل هي المرة الأولى؟
ليس هذا التصريح الأول من نوعه، إلا أن تصريح نتنياهو الأخير يعد الأكثر وضوحاً منذ حرب الإبادة والتطهير العرقي بعد السابع من أكتوبر 2023. فقد صرح الوزير الارهابي سموتريتش عام 2016، حين كان عضواً في الكنيست: "حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق". وفي 19 مارس 2023، أثارت زيارته إلى باريس موجة غضب كبيرة حين وقف أمام منصة عليها خريطة أرض إسرائيل الكبرى المزعومة، تشمل كامل فلسطين التاريخية والأردن وحتى سوريا.
أما نتنياهو، فقد أدلى بتصريحات قوية ضد إقامة الدولة الفلسطينية، مثل قوله في مؤتمر صحفي عام 2023: "أنا فخور بأنني منعت إقامة دولة فلسطين... الجميع يفهم ما كان يمكن أن تكون عليه تلك الدولة". هذه التصريحات تعكس سياسة ممنهجة تقوم على رفض أي حل سياسي قائم على الدولة الفلسطينية المستقلة، بما ينسجم مع أطروحات توسعية تاريخية.

الجذور التاريخية للمشروع التوسعي
تستند هذه التصريحات إلى نصوص توراتية تعتبر الأرض الموعودة ممتدة من النيل جنوباً إلى الفرات شرقاً. ومنذ تأسيس الحركة الصهيونية، أعلن مؤسسها ثيودور هرتزل عام 1904 أن حدود إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات. وعلى نحو مشابه، أعلنت عصابة الأرجون الإرهابية خلال الفترة 1922–1948، والتي أُدمجت لاحقاً في جيش الاحتلال، أن تكون فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية باسم "إتسل".
ومن أبرز المخططات الصهيونية في هذا السياق، الخطة التي كتبها الصحفي والدبلوماسي عوديد ينون، والتي كشف عنها في مجلة كيفونيم الصادرة عن الحركة الصهيونية العالمية في فبراير 1982، مستندة إلى رؤية هرتزل. وقد أكد ينون في هذه الوثيقة أن تحقيق "إسرائيل الكبرى" يتطلب تفتيت وتقسيم الدول العربية إلى دويلات إثنية وعرقية وطائفية، تصبح كل منها معتمدة على إسرائيل في بقائها وشرعيتها، إذ لا تستطيع الأخيرة الاستمرار إلا إذا أصبحت قوة إقليمية مهيمنة (إمبريالية).

الربط بمشروع برنارد لويس والمشروع الأنجلو-سكسوني الإبراهيمي
ويعتمد مشروع برنارد لويس بشكل أساسي على نفس الرؤية التي كشفت عنها وثيقة كيفونيم، والتي تقوم على تفتيت الدول العربية والإسلامية إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية وإثنية، بحيث تصبح كل منها مرتبطة بالاحتلال أو القوى الخارجية في بقائها وشرعيتها. ومن اللافت أن مشروع إسرائيل الكبرى يتقاطع مع هذا المنطق، حيث يسعى إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية والعربية الاستراتيجية عبر استغلال الانقسامات الداخلية. هذا التقاطع يجعل المشروع الأنجلو-سكسوني الإبراهيمي الحالي امتداداً طبيعياً للمخططات التوسعية الاستعمارية، إذ يستخدم آليات التحالف والتطبيع السياسي والديني لتأمين الهيمنة الإقليمية، مستفيداً من الانقسامات الطائفية والعرقية لتعزيز سيطرة الاحتلال على المنطقة.

أبعاد التصريحات: سياسية، أمنية، وثقافية
الخطورة الأساسية لهذه التصريحات تتجلى في عدة مستويات:
1. سياسية وأمنية: الإعلان عن "إسرائيل الكبرى" يلغي أي مساحة تفاوضية أو حل قائم على حل الدولتين، ويعيد الصراع إلى معادلة صفرية، مع احتمال تصاعد التوترات بين الاحتلال والدول العربية المجاورة.
2. ديموغرافية وجغرافية: تشمل الرؤية ضم مناطق مأهولة بالسكان، ما يؤدي إلى أزمات سكانية وقانونية ويهدد التوازن الإقليمي.
3. معنوية وثقافية: المشروع يتجاوز حدود السياسة إلى الهوية التاريخية والدينية، ويعزز خطاب التطرف ويزيد من استقطاب الجماعات المتطرفة، داخليًا وخارجيًا.

الاستراتيجيات العربية المقترحة للمواجهة
لم يعد الرد التقليدي عبر بيانات الإدانة والشجب والاستنكار كافياً. المطلوب خطة استراتيجية عملية واسعة النطاق تشمل:
التكامل السياسي: تشكيل جبهة عربية موحدة لتقديم بدائل سياسية واقتصادية، وحماية الحقوق العربية والفلسطينية عبر المنظمات الدولية بآليات قابلة للتنفيذ.
المبادرات الاقتصادية: دعم مشاريع مشتركة للفلسطينيين تُعزز صمودهم وتقيد قدرة الاحتلال على ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية.
الإعلام والتواصل: مواجهة الرؤية التوسعية للاحتلال على صعيد الإعلام التقليدي والرقمي، وكشف المخاطر أمام الرأي العام الدولي بشكل مقنع ومدعوم بالأدلة.
الدبلوماسية الذكية: بناء تحالفات مع القوى الدولية المؤثرة لضمان توازن القوى، وتحويل اتفاقيات التطبيع إلى أدوات ضغط تحد من توسع الاحتلال.
التحول نحو التصنيع الحربي المحلي: تعزيز الاستقلال العسكري النوعي وتقليل الاعتماد على أسلحة خارجية يمكن التحكم فيها أو تعطيلها عند الضرورة، لضمان قدرة الردع والدفاع عن السيادة.

الخلاصة
تصريحات نتنياهو تهدف بوضوح إلى خلط الأوراق في الملفات الداخلية المتعلقة بإدارة العدوان على غزة، وتتقاطع بشكل مباشر مع حسابات انتخابات 2026. لكنها في الوقت ذاته تمثل صفعة سياسية قوية لدول التحالف الاستراتيجي 'إبراهام'، وتستدعي من الدول العربية اتخاذ خطوات عاجلة وفاعلة لمواجهة خطر وجودي يهدد مستقبل المنطقة برمتها. المعركة اليوم لا تقتصر على الأرض فحسب، بل تمتد إلى المعركة على الرواية التاريخية والسياسية، وعلى قدرة الدول العربية في تحصين نفسها ومواجهة مشروع توسعي يهدف إلى إعادة هندسة ورسم خريطة الشرق الأوسط بشكل كامل.
[email protected]
12/8/2025