السوداني: نفقد اليوم قامة وطنية وثقافية عالية برحيل المبدعة بيان عجاج نويهض

بي دي ان |

15 يوليو 2025 الساعة 06:50ص

نعى الأمين العام للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، الشاعر مراد السوداني، الإعلامية والأديبة والمناضلة القديرة بيان عجاج نويهض، زوجة المناضل والأديب  المفكر الراحل شفيق الحوت، عضو اللجنة التنفيذية الأسبق في منظمة التحرير الفلسطينية، وجاء في بيان النعي:

“من كبير خساراتنا أن نفقد اليوم المناضلة والأديبة والإعلامية الجديرة باحترامنا الواسع، المؤصلة لتاريخ فلسطين بيان عجاج نويهض، زوجة المناضل والأديب والسياسي البارع المفكر شفيق الحوت، رحمه الله، وسليلة الأدب والنضال. كانت واحدة من الأمهات البارعات في تربية جيل المواجهة بالإبداع والتميّز، وصاحبة المنازلات الكبرى في الدفاع عن فلسطين، أرضًا وشعبًا وقضية. 

لم تترك مسافةً بينها وبين القمم المشرّفة بالوطنية والعلم والمهنة، بل واصلت السير مع رفيق دربها، القائد الوطني والمفكر السياسي الكبير شفيق الحوت، حتى أداء الأمانة بما يليق بالمحبين لفلسطين.

وإذ نودّع اليوم السيّدة بيان نويهض، فإننا لا نطوي صفحةً مشرقة من عطاء المرأة الفلسطينية فحسب، بل نمرّرها إلى الأجيال القادمة بما توجبه العزّة بالفداء، والاعتزاز بالمرأة المناضلة، والمبدعة، والأديبة، والأم المرموقة، والزوجة المكافحة في سبيل حرية شعبها.

لروحها الطمأنينة والسلام، ولعائلتها الكريمة الصبر والاحتساب، والخير بعد هذا الفقد العظيم.

ولدت بيان نويهض في مدينة القدس في سنة 1937. والدها: عجاج نويهض يعود بأصوله إلى رأس المتن في لبنان. والدتها: جمال سليم من بلدة جباع الشوف في لبنان. أخواتها: نورا، سوسن، جنان. أخوها: خلدون. زوجها: شفيق الحوت. ابنتاها: حنين وسيرين. ابنها: هادر.

بدأت بيان نويهض دراستها في مدرسة "شميدت" الألمانية للراهبات في القدس، حيث كان والدها من رجالات الحركة الوطنية الفلسطينية ومن مؤسسي "حزب الاستقلال العربي" في آب/أغسطس 1932.
تابعت بيان نويهض دراستها، بعد انتقالها إلى لبنان، في الكلية العلمية للبنات في الشويفات، وهي مدرسة داخلية، وتُعرف باسم رئيستها "مس مالك"، ثم انتقلت، في سنة 1951، إلى عمّان حيث استقر والدها، والتحقت بالصف الثاني الثانوي في مدرسة "الملكة زين الشرف". وبعد حصولها على شهادة الثانوية العامة، درست في كلية دار المعلمات في مدينة رام الله، وبدأت تنظم قصائدها الأولى على خطى والدتها الشاعرة جمال سليم. وكانت مدة الدراسة في دار المعلمات عامين تعرفت خلالهما على مدن الضافة الغربية وقراها ومؤسساتها الاجتماعية ، كما أتاحتا لها زيارة القدس والمسجد الأقصى مرات لا تحصى.

بعد تخرجها من دار المعلمات في سنة 1956 عملت بيان نويهض معلمة في مدرسة "سكينة بنت الحسين" في عمّان، وانتسبت إلى "حزب البعث العربي الاشتراكي"، بعدما وجدت في مبادئه تعبيراً عن ايمانها بالعروبة.

قرر والدها في سنة 1959، أن تنتقل العائلة للعيش نهائياً في لبنان، حيث كان يملك بيتاً قديماً في رأس المتن، فالتحقت بالجامعة اللبنانية في بيروت لمتابعة دراستها الجامعية في كلية الحقوق والعلوم السياسية.،
وبدأت نشاطها الصحفي، في مطلع سنة 1960، بكتابة مقالات في مجلة "دنيا المرأة" التي أصدرتها أختها نورا نويهض حلواني ، وكانت رئيسة التحرير الأديبة إدفيك شيبوب، فكان عملها في هذه المجلة فرصة كي تتعرّف إلى عدد كبير من الشعراء والمثقفين والأدباء العرب واللبنانيين من أمثال نزار قباني، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، وبدوي الجبل، ويوسف الخال وغيرهم.

على الصعيد الشخصي كان الحدث الأبرز في هذه المرحلة تطور العلاقة بينها وبين الصحافي الفلسطيني شفيق الحوت، وأما التعارف الأول فكان قبل عامين خلال مشاركتها في ندوة عقدتها جريدة "الصحافة" قبيل 15 أيار/ مايو 1960، وكان الحوت يومئذ مدير مجلة "الحوادث"، ثم صارت تجمعهما لقاءات مع عدد من المثقفين والصحافيين، ومن بينهم الشاعر الفلسطيني كمال ناصر، في "مطعم فيصل" وفي "النادي الثقافي العربي" في بيروت، وهي اللقاءات التي انتهت بزواجهما في ربيع سنة 1962.

على الصعيد النضالي انضمت الى "جبهة تحرير فلسطين - طريق العودة "، وهي الجبهة التي أنشأها، في نهاية سنة 1963، شفيق الحوت ونقولا الدر وإبراهيم أبو لغد وسميرة عزام الكاتبة والأديبة وهي من كانت المسؤولة عن القسم النسائي في الجبهة.

حازت على الإجازة في العلوم السياسية في سنة 1963، وكانت ابنتها حنين طفلة في شهرها الثالث. ولما كانت كلية الحقوق تفتقر يومذاك للدراسات العليا فقد انصرفت في الستينيات للصحافة.

في سنة 1966، قررت بيان نويهض الحوت ترك النشاط الصحفي، ليقتصر عملها الإعلامي على الكتابة الإذاعية.

نالت شهادة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية، وبدأت، في سنة 1979، عملها في حقل التدريس الجامعي في الجامعة اللبنانية، حيث صارت تدرّس مادتَي "القضية الفلسطينية" و"قضايا شرق أوسطية" في كلية الحقوق والعلوم السياسية – الفرع الأول، وسعت في تعاملها مع طلابها للسير على نهج الأساتذة الكبار الذين تتلمذت على أيديهم، ومن بينهم إدمون نعيم، وبطرس ديب، وأنور الخطيب وصلاح الدبّاغ. وترافق تدريسها الجامعي مع عملها في ميدان البحث التاريخي، إذ أعدّت للنشر في سنة 1979 أوراق أكرم زعيتر التي صدرت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 

ونظراً إلى وقوع منزل شفيق وبيان الحوت في حي "وطى المصيطبة"، الذي كان يتعرض للقصف الإسرائيلي، فقد قرر الزوجان ترك منزلهما والانتقال إلى شقة يملكها أحد أصدقائهما في ساقية الجنزير، وفي أثناء وجودهما في هذه الشقة، كان ياسر عرفات يتردد عليهما باستمرار، كما كان يلتقي عندهما مجموعة من الأدباء والمثقفين، يتداولون في الأوضاع السياسية وآفاق تطورها، منهم محمود درويش وابراهيم أبو لغد.

شاركت بيان نويهض الحوت في عضوية الاتحاد العام للكتاب اللبنانيين، وفي عضوية المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي، ومجلس إدارة مؤسسة القدس. وقدمت المحاضرات والمساهمات في العديد من المؤتمرات العلمية والتاريخية التي نُظّمت في مدن عربية وأجنبية
في الكتابة الإبداعية بدأت بيان نويهض نشر قصائدها في الصحف الأردنية منذ منتصف الخمسينيات، كما نشرت القصص القصيرة في لبنان، ولما أعلنت مجلة الحوادث عن مسابقة في القصة القصيرة سنة 1964 شاركت بالمسابقة وفازت قصتها "كانوا أربعة.."، بالجائزة الأولى، لكنها توقفت عن كتابة الشعر والقصة منذ نهاية الستينيات وكان خيارها الانصراف للدراسة الجامعية وكتابة الأبحاث الأكاديمية.

وبمناسبة يوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس 2013 أقام النادي الثقافي العربي في بيروت لقاء تكريمياً للدكتورة بيان نويهض الحوت، تكلم فيه عن إنجازاتها طلال سلمان ناشر جريدة السفير والروائية إميلي نصر الله والقانوني صلاح الدباغ. ، وقدم لها رئيس النادي درعاً تكريمياً.

وكرّم سفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور بيان نويهض الحوت في 22 أيلول/ سبتمبر 2014 في منزل والدها في رأس المتن بتقديم درع خاص لها تقديرًا لدورها الوطني والقومي.

ونالت جائزة القدس للثقافة والإبداع التقديرية للعام 2015 وورد في نص القرار أنها لإنجازاتها المميزة في الثقافة الوطنية الملتزمة.

تقاعدت من التدريس الجامعي في سنة 2001 تفرغت بصورة كلية للبحث التاريخي. وفي سنة 2009، فقدت زورجها ورفيق دربها شفيق الحوت وهو ما ترك أثراً بليغاً في نفسها.