الجزيرة والدعاية السوداء: حين يتحوّل الإعلام إلى أداة في إنتاج الذرائع للاحتلال
بي دي ان |
02 يوليو 2025 الساعة 12:17ص

في سياق العدوان المستمر على شعبنا العربي الفلسطيني بشكل عام، وعلى أهلنا في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بشكل خاص، والذي اتخذ منذ السابع من أكتوبر 2023 طابع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج، تبرز ظاهرة إعلامية خطيرة تتجاوز في أثرها التحيّز التقليدي أو الانحراف المهني، لتلامس حدود المشاركة غير المباشرة في الحرب النفسية الموجّهة ضد الشعب العربي الفلسطيني.
والحديث هنا ليس عن وسائل إعلام أجنبية، بل عن قناة الجزيرة القطرية، التي كانت - وللأسف - أول نافذة عربية تُدخل رواية وخزعبلات الاحتلال إلى كل بيت عربي، من خلال استضافة شخصيات وقادة ومحللين سياسيين وعسكرين، تحت شعار في مختلف البرامج الحوارية والاخبارية تحت شعار الرأي والرأي الآخر.
تضخيم القوة ... وتبرير العدوان
ما زالت قناة الجزيرة تمارس نوعاً من الدعاية السوداء، عبر المبالغة المستمرة في تعظيم القدرات العسكرية لحركة حماس، وكأنها قوة نووية إقليمية قادرة على سحق الاحتلال الصِّهيو-أمريكي في ثوانٍ معدودة، رغم أن بنيتها العسكرية أصبحت مكشوفة للجميع، كحال باقي محور ما يُسمى بالمقاومة، الذي تهاوى كأحجار الدومينو، وتَساقط تباعاً تحت ضغط القوة الصلبة والناعمة.
تبدو هذه الرواية الإعلامية غير متسقة مع الحقائق الميدانية، ولا مع المبادئ المهنية؛ إذ إن التضخيم الممنهج لقدرة حماس على مواصلة القتال لسنوات، رغم الدمار الشامل الذي طال أكثر من 80% من مساحة قطاع غزة، وخلّف ما يزيد عن ربع مليون شهيد وجريح وأسير ومفقود، إضافة إلى آلاف المعاقين نفسياً وجسدياً، ناهيك عن مشاهد الجوع والعطش والإذلال اليومي أمام ما يُسمى مراكز توزيع المعونات الأمريكية (أمريكا تقتل بيد وتطعم باليد الأخرى)،
إن هذا التضخيم الإعلامي والدعاية السوداء التي تمارسها قناة الجزيرة، يُسهمان حتمًا في شرعنة العدوان، من خلال إيهام المتابعين بأن الاحتلال يواجه خطراً وجودياً يبرر استمرار العدوان على أهلنا في قطاع غزة وشمال الضفة، خاصة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.
قطر والانفصال الفلسطيني ... دور غير بريء
لا يمكن فهم الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة بمعزل عن السياق السياسي الرسمي لدولة قطر، التي تحتفظ بعلاقات أمنية واقتصادية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة والاحتلال. فقد كانت شريكاً فعلياً في تكريس انفصال جناحي الوطن الذي وقع عام 2007، وقامت بتغذية حكومة الأمر الواقع التابعة لحماس سياسياً وماليًا عبر الاحتلال وبضوء أخضر أمريكي، وجرى تصويره كنصر مؤزر لحماس، رغم أنه نُفذ فعلياً بقصد إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، ووفّر بيئة خصبة لتفتيت وحدانية التمثيل السياسي الفلسطيني، في محاولة لتكون حماس بديلاً لمنظمة التحرير، أو جسماً موازياً، خدمةً لأجندات خارجية، في محاولة فاشلة لمحاكاة تجربة السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، حين وُجدت حكومتان متوازيتان في أنقرة وإسطنبول، وانتهى الأمر بإلغاء السلطنة نهائياً.
إيران... الضجيج لا يعني التحرير
وفي الوقت الذي يعاني فيه محور ما يُسمى بالمقاومة من تصدعات واضحة، بدءاً من التفريغ النخبوي الممنهج، وقبل ذلك الفشل في ردع العدوان على شعبنا الفلسطيني، خاصة على أهلنا في غزة، وصولاً إلى الانسحاب التكتيكي من بعض ساحات الاشتباك، يُعاد إنتاج مشهد درامي لضربات متبادلة مع الاحتلال، كما حدث في الساعات الأولى من يوم الجمعة، 13 يونيو 2025. ومع أن إيران دافعت عن نفسها في وجه اعتداء مباشر من الاحتلال الصهيو-أمريكي، الذي وصل إلى حد ضرب المفاعلات النووية الثلاث (فُردو، أصفهان، ونطنز) بواسطة القاذفات الاستراتيجية، إلا أن التوقيت السياسي وطبيعة الردود تشير بوضوح إلى أن الهدف الرئيس هو تحريك المفاوضات مع المُلّاك الأنجلوسكسون (أمريكا وأوروبا)، على غرار ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973، دون أن يكون لتحرير فلسطين، باعتبارها قضية العرب والمسلمين المركزية، أي نصيب من المفاوضات.
وظيفة الإعلام في القانون الدولي... بين المهنية والتواطؤ
بحسب المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني، فإن تبرير أعمال الإبادة الجماعية، أو التحريض غير المباشر عليها، أو نقل روايات تمنح الغطاء لأي انتهاك جسيم للقانون الدولي، يُعد مشاركة فعلية ولو غير مباشرة في الجريمة. وهذا يضع أداء بعض الوسائل الإعلامية، ومنها قناة الجزيرة، تحت مجهر المساءلة الأخلاقية، إن لم يكن القانونية، خاصة حين تتحول التغطية إلى أداة لتعطيل الإدراك العام، أو تدجين الشعوب، أو كيّ وعيها بما يخدم مصالح الاحتلال.
إعلام يُشرعن الجريمة
إن تهويل القوة العسكرية لحماس، في ظل تآكل القدرة الميدانية الواضح، وإيهام الشعوب بأن حماس ما زالت صامدة بقوة، مع تجاهل مشاهد المجازر اليومية والدمار الواسع، لا يدخل في باب التغطية المحايدة، بل يقع في خانة إعادة إنتاج سردية الاحتلال ولو بلغة معكوسة. هذه السردية، بقدر ما تُخدّر الضمير العربي، فإنها تمنح الاحتلال ذريعة إضافية للاستمرار في عدوانه، تحت شعار الدفاع عن النفس أو أن الاحتلال يغوص في أزمة وجودية، رغم النكبة الممتدة التي يتعرض لها شعبنا منذ عام 1948. إن الإعلام الموجّه ليس بريئاً حين يختار روايته، ولا حيادياً حين يصمت عن الجرائم، ولا مهنياً حين يُسهم في تبرير الجريمة.
وبالعودة إلى حماس، فإن كان التاريخ سيكتب أنها سبب اضعاف المشروع الوطني الفلسطيني، وتساقط أحجار الدومينو، فإنه سيكتب أيضاً أنها كانت سبباً رئيساً في إعادة هندسة الشرق الأوسط برمّته.
والحديث هنا ليس عن وسائل إعلام أجنبية، بل عن قناة الجزيرة القطرية، التي كانت - وللأسف - أول نافذة عربية تُدخل رواية وخزعبلات الاحتلال إلى كل بيت عربي، من خلال استضافة شخصيات وقادة ومحللين سياسيين وعسكرين، تحت شعار في مختلف البرامج الحوارية والاخبارية تحت شعار الرأي والرأي الآخر.
تضخيم القوة ... وتبرير العدوان
ما زالت قناة الجزيرة تمارس نوعاً من الدعاية السوداء، عبر المبالغة المستمرة في تعظيم القدرات العسكرية لحركة حماس، وكأنها قوة نووية إقليمية قادرة على سحق الاحتلال الصِّهيو-أمريكي في ثوانٍ معدودة، رغم أن بنيتها العسكرية أصبحت مكشوفة للجميع، كحال باقي محور ما يُسمى بالمقاومة، الذي تهاوى كأحجار الدومينو، وتَساقط تباعاً تحت ضغط القوة الصلبة والناعمة.
تبدو هذه الرواية الإعلامية غير متسقة مع الحقائق الميدانية، ولا مع المبادئ المهنية؛ إذ إن التضخيم الممنهج لقدرة حماس على مواصلة القتال لسنوات، رغم الدمار الشامل الذي طال أكثر من 80% من مساحة قطاع غزة، وخلّف ما يزيد عن ربع مليون شهيد وجريح وأسير ومفقود، إضافة إلى آلاف المعاقين نفسياً وجسدياً، ناهيك عن مشاهد الجوع والعطش والإذلال اليومي أمام ما يُسمى مراكز توزيع المعونات الأمريكية (أمريكا تقتل بيد وتطعم باليد الأخرى)،
إن هذا التضخيم الإعلامي والدعاية السوداء التي تمارسها قناة الجزيرة، يُسهمان حتمًا في شرعنة العدوان، من خلال إيهام المتابعين بأن الاحتلال يواجه خطراً وجودياً يبرر استمرار العدوان على أهلنا في قطاع غزة وشمال الضفة، خاصة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.
قطر والانفصال الفلسطيني ... دور غير بريء
لا يمكن فهم الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة بمعزل عن السياق السياسي الرسمي لدولة قطر، التي تحتفظ بعلاقات أمنية واقتصادية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة والاحتلال. فقد كانت شريكاً فعلياً في تكريس انفصال جناحي الوطن الذي وقع عام 2007، وقامت بتغذية حكومة الأمر الواقع التابعة لحماس سياسياً وماليًا عبر الاحتلال وبضوء أخضر أمريكي، وجرى تصويره كنصر مؤزر لحماس، رغم أنه نُفذ فعلياً بقصد إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، ووفّر بيئة خصبة لتفتيت وحدانية التمثيل السياسي الفلسطيني، في محاولة لتكون حماس بديلاً لمنظمة التحرير، أو جسماً موازياً، خدمةً لأجندات خارجية، في محاولة فاشلة لمحاكاة تجربة السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، حين وُجدت حكومتان متوازيتان في أنقرة وإسطنبول، وانتهى الأمر بإلغاء السلطنة نهائياً.
إيران... الضجيج لا يعني التحرير
وفي الوقت الذي يعاني فيه محور ما يُسمى بالمقاومة من تصدعات واضحة، بدءاً من التفريغ النخبوي الممنهج، وقبل ذلك الفشل في ردع العدوان على شعبنا الفلسطيني، خاصة على أهلنا في غزة، وصولاً إلى الانسحاب التكتيكي من بعض ساحات الاشتباك، يُعاد إنتاج مشهد درامي لضربات متبادلة مع الاحتلال، كما حدث في الساعات الأولى من يوم الجمعة، 13 يونيو 2025. ومع أن إيران دافعت عن نفسها في وجه اعتداء مباشر من الاحتلال الصهيو-أمريكي، الذي وصل إلى حد ضرب المفاعلات النووية الثلاث (فُردو، أصفهان، ونطنز) بواسطة القاذفات الاستراتيجية، إلا أن التوقيت السياسي وطبيعة الردود تشير بوضوح إلى أن الهدف الرئيس هو تحريك المفاوضات مع المُلّاك الأنجلوسكسون (أمريكا وأوروبا)، على غرار ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973، دون أن يكون لتحرير فلسطين، باعتبارها قضية العرب والمسلمين المركزية، أي نصيب من المفاوضات.
وظيفة الإعلام في القانون الدولي... بين المهنية والتواطؤ
بحسب المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني، فإن تبرير أعمال الإبادة الجماعية، أو التحريض غير المباشر عليها، أو نقل روايات تمنح الغطاء لأي انتهاك جسيم للقانون الدولي، يُعد مشاركة فعلية ولو غير مباشرة في الجريمة. وهذا يضع أداء بعض الوسائل الإعلامية، ومنها قناة الجزيرة، تحت مجهر المساءلة الأخلاقية، إن لم يكن القانونية، خاصة حين تتحول التغطية إلى أداة لتعطيل الإدراك العام، أو تدجين الشعوب، أو كيّ وعيها بما يخدم مصالح الاحتلال.
إعلام يُشرعن الجريمة
إن تهويل القوة العسكرية لحماس، في ظل تآكل القدرة الميدانية الواضح، وإيهام الشعوب بأن حماس ما زالت صامدة بقوة، مع تجاهل مشاهد المجازر اليومية والدمار الواسع، لا يدخل في باب التغطية المحايدة، بل يقع في خانة إعادة إنتاج سردية الاحتلال ولو بلغة معكوسة. هذه السردية، بقدر ما تُخدّر الضمير العربي، فإنها تمنح الاحتلال ذريعة إضافية للاستمرار في عدوانه، تحت شعار الدفاع عن النفس أو أن الاحتلال يغوص في أزمة وجودية، رغم النكبة الممتدة التي يتعرض لها شعبنا منذ عام 1948. إن الإعلام الموجّه ليس بريئاً حين يختار روايته، ولا حيادياً حين يصمت عن الجرائم، ولا مهنياً حين يُسهم في تبرير الجريمة.
وبالعودة إلى حماس، فإن كان التاريخ سيكتب أنها سبب اضعاف المشروع الوطني الفلسطيني، وتساقط أحجار الدومينو، فإنه سيكتب أيضاً أنها كانت سبباً رئيساً في إعادة هندسة الشرق الأوسط برمّته.