بين الضربة والاختراق: فلسطين الغائب الأكبر في مشهد الصراع الإقليمي
بي دي ان |
25 يونيو 2025 الساعة 01:50م

في المشهد الجيوسياسي الذي أعقب الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث الرئيسة (نطنز، فوردو، ومجمع أصفهان)، بدا واضحاً أن الإقليم لم يشهد فقط تصعيداً عسكرياً محدوداً، بل تحولات استراتيجية تمثلت في إعادة تموضع الفواعل، وتبادل رسائل القوة والانفتاح. وفي قلب هذه التحولات، بقيت فلسطين، الغائب الأكبر عن أي بيان أو إعلان رسمي أو سياسي من مختلف الأطراف، وكأنها لم تكن أصل الصراع ولا بوابته التاريخية.
الولايات المتحدة، بصفتها الفاعل السيادي الأعلى أو "المالِك"، تحركت وفق منطق ضبط الإيقاع لا الحسم الميداني. فقد أعلن الرئيس "ترامب" عن نجاح الضربات الأمريكية، واعتبرها إنجازاً عسكرياً كبيراً، في محاولة لتوظيفها ضمن استراتيجية الردع القصير المدى. غير أن التصريحات التي أعقبت الضربة، لا سيما تلك الصادرة عبر منصة "تروث سوشيال"، حملت دعوة مموّهة إلى لسلام، والتي تُقرأ في السياق الاستراتيجي كدعوة إلى الاستسلام الناعم وليس التفاوض المتكافئ، بما يتماشى مع مبدأ القوة من أجل الإذعان.
هذا السلوك ليس مفاجئاً من فاعل يمتلك أدوات الهيمنة الصلبة والناعمة، ويعمل على إدارة الصراعات لا إنهائها، وفقاً لقواعد التمدد المدروس والاختراقات المحسوبة، التي تمثل ركائز النظام العالمي الذي يهمين عليه المُلَّاك (أصحاب النفوذ وفق اتفاقية يالطا التي وقعها كل من: ستالين، وروزفلت، وتشرشل بعد الحرب العالمية الثانية 1945) وفق نظرية كيسنجر.
وضمن هذا المشهد، برزت سلطات الاحتلال وإيران كمحاور وفواعل وظيفية تخدم سياسات النظام العالمي، وإن اختلفت تموضعاتها الخطابية والعملياتية. فالاحتلال الصهيوني، الذي نفّذ الضربات التمهيدية وأسهم في جمع المعلومات الاستخباراتية وفرغ المنطقة من النخب العلمية والسياسية والعسكرية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، سارع إلى تقديم نفسه كـقائد ميداني للعملية، متجاوزاً دوره التقليدي الوظيفي. وقد عبّرت تصريحات النتن ياهو عن رغبة في اعتراف امريكا بقيادته للإقليم، من خلال الإيحاء بأن الضربة تمت بإشرافه. وهو ما يعكس توجهاً استراتيجياً لدى الاحتلال نحو انتزاع شرعية قيادية في المنطقة عبر بوابة العسكرة الغير منضبطة.
أما إيران، فقد تماهت مع الدور المرسوم لها كفاعل وظيفي متمرد، حيث أبدت رداً محسوباً وخجولاً لم يتجاوز حفظ ماء الوجه، ثم تبعته لهجة دبلوماسية جديدة غير معهودة، تُبدي استعداداً غير مشروطاً للحوار والانفتاح، بالتوازي مع تسريبات إعلامية عن تفاهمات خلف الكواليس قد تفضي إلى رفع تدريجي للعقوبات، مقابل ضبط سلوكها الإقليمي. ويشير هذا إلى تحول تدريجي في أداء طهران من المواجهة إلى التكيّف، بما يتسق مع دينامية الاحتواء التي تعتمدها واشنطن تجاه القوى المملوكة المتمردة على المالك.
بعد الضربات المتبادلة وتوقف الحرب، تحوّل الخطاب من العسكري إلى الاقتصادي. وظهرت مؤشرات على تفاهمات تفضي إلى رقع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران خلال فترة رئاسته الأولى، وفتح الباب أمام استثمارات غربية، في قطاعات البنية التحتية والسياحة وربما الطاقة. هذه المعادلة الاقتصادية ما بعد الضربة تعكس منطق المقايضة الكبرى التي تحكم علاقات المُلَّاك والمماليك وفق قانون الغزو، حيث تُمنح بعض الأنظمة حق البقاء والترويج لانفتاحها، مقابل التخلي التدريجي عن تمردها.
التحول الإيراني المتوقع، سيعيد رسم توازنات القوة في الشرق الأوسط برمته لا سيما الخليج، لكن ما يلفت الانتباه هو غياب أي كلمة تتعلق بالقضية الفلسطينية، لا من طرف المماليك إيران والاحتلال رغم التفاوت والتنافس بينهما ولا من طرف المُلَّاك، وبالتالي يُعامل الفلسطينيون كأثر جانبي في معادلات الردع الإقليمي، رغم كونهم الضحية الأكبر في المنطقة.
بالطبع يتناقض هذا الغياب مع القرارات الصادرة عن المنتظم الدولي، التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس. كما يُعد استمرار تجاهل هذه الحقوق خرقاً فاضحاً لاتفاقيات جنيف الرابعة.
بين ضربة المالِك واختراقات الفواعل المَملوكة والوظيفية، ضاعت فلسطين. وكأن مشهد الضربات لم يكن سوى فصل آخر من فصول تفريغ الإقليم من ثوابته التاريخية، وإعادة تركيبه على أسس وظيفية تخدم مصالح المُلَّاك. ولكن، القضية الفلسطينية ستبقى مفتاح السلم والحرب، ولن تنعم المنطقة بالاستقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية وعودة اللاجئين والنازحين والمبعدين وأي استقرار إقليمي أو تفاهمات استراتيجية ستبقى هدنة مؤقتة بين جولات أي صراع قادم لا محالة و حين يصمت الجميع، تبقى فلسطين هي البوصلة.
الولايات المتحدة، بصفتها الفاعل السيادي الأعلى أو "المالِك"، تحركت وفق منطق ضبط الإيقاع لا الحسم الميداني. فقد أعلن الرئيس "ترامب" عن نجاح الضربات الأمريكية، واعتبرها إنجازاً عسكرياً كبيراً، في محاولة لتوظيفها ضمن استراتيجية الردع القصير المدى. غير أن التصريحات التي أعقبت الضربة، لا سيما تلك الصادرة عبر منصة "تروث سوشيال"، حملت دعوة مموّهة إلى لسلام، والتي تُقرأ في السياق الاستراتيجي كدعوة إلى الاستسلام الناعم وليس التفاوض المتكافئ، بما يتماشى مع مبدأ القوة من أجل الإذعان.
هذا السلوك ليس مفاجئاً من فاعل يمتلك أدوات الهيمنة الصلبة والناعمة، ويعمل على إدارة الصراعات لا إنهائها، وفقاً لقواعد التمدد المدروس والاختراقات المحسوبة، التي تمثل ركائز النظام العالمي الذي يهمين عليه المُلَّاك (أصحاب النفوذ وفق اتفاقية يالطا التي وقعها كل من: ستالين، وروزفلت، وتشرشل بعد الحرب العالمية الثانية 1945) وفق نظرية كيسنجر.
وضمن هذا المشهد، برزت سلطات الاحتلال وإيران كمحاور وفواعل وظيفية تخدم سياسات النظام العالمي، وإن اختلفت تموضعاتها الخطابية والعملياتية. فالاحتلال الصهيوني، الذي نفّذ الضربات التمهيدية وأسهم في جمع المعلومات الاستخباراتية وفرغ المنطقة من النخب العلمية والسياسية والعسكرية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، سارع إلى تقديم نفسه كـقائد ميداني للعملية، متجاوزاً دوره التقليدي الوظيفي. وقد عبّرت تصريحات النتن ياهو عن رغبة في اعتراف امريكا بقيادته للإقليم، من خلال الإيحاء بأن الضربة تمت بإشرافه. وهو ما يعكس توجهاً استراتيجياً لدى الاحتلال نحو انتزاع شرعية قيادية في المنطقة عبر بوابة العسكرة الغير منضبطة.
أما إيران، فقد تماهت مع الدور المرسوم لها كفاعل وظيفي متمرد، حيث أبدت رداً محسوباً وخجولاً لم يتجاوز حفظ ماء الوجه، ثم تبعته لهجة دبلوماسية جديدة غير معهودة، تُبدي استعداداً غير مشروطاً للحوار والانفتاح، بالتوازي مع تسريبات إعلامية عن تفاهمات خلف الكواليس قد تفضي إلى رفع تدريجي للعقوبات، مقابل ضبط سلوكها الإقليمي. ويشير هذا إلى تحول تدريجي في أداء طهران من المواجهة إلى التكيّف، بما يتسق مع دينامية الاحتواء التي تعتمدها واشنطن تجاه القوى المملوكة المتمردة على المالك.
بعد الضربات المتبادلة وتوقف الحرب، تحوّل الخطاب من العسكري إلى الاقتصادي. وظهرت مؤشرات على تفاهمات تفضي إلى رقع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران خلال فترة رئاسته الأولى، وفتح الباب أمام استثمارات غربية، في قطاعات البنية التحتية والسياحة وربما الطاقة. هذه المعادلة الاقتصادية ما بعد الضربة تعكس منطق المقايضة الكبرى التي تحكم علاقات المُلَّاك والمماليك وفق قانون الغزو، حيث تُمنح بعض الأنظمة حق البقاء والترويج لانفتاحها، مقابل التخلي التدريجي عن تمردها.
التحول الإيراني المتوقع، سيعيد رسم توازنات القوة في الشرق الأوسط برمته لا سيما الخليج، لكن ما يلفت الانتباه هو غياب أي كلمة تتعلق بالقضية الفلسطينية، لا من طرف المماليك إيران والاحتلال رغم التفاوت والتنافس بينهما ولا من طرف المُلَّاك، وبالتالي يُعامل الفلسطينيون كأثر جانبي في معادلات الردع الإقليمي، رغم كونهم الضحية الأكبر في المنطقة.
بالطبع يتناقض هذا الغياب مع القرارات الصادرة عن المنتظم الدولي، التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس. كما يُعد استمرار تجاهل هذه الحقوق خرقاً فاضحاً لاتفاقيات جنيف الرابعة.
بين ضربة المالِك واختراقات الفواعل المَملوكة والوظيفية، ضاعت فلسطين. وكأن مشهد الضربات لم يكن سوى فصل آخر من فصول تفريغ الإقليم من ثوابته التاريخية، وإعادة تركيبه على أسس وظيفية تخدم مصالح المُلَّاك. ولكن، القضية الفلسطينية ستبقى مفتاح السلم والحرب، ولن تنعم المنطقة بالاستقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية وعودة اللاجئين والنازحين والمبعدين وأي استقرار إقليمي أو تفاهمات استراتيجية ستبقى هدنة مؤقتة بين جولات أي صراع قادم لا محالة و حين يصمت الجميع، تبقى فلسطين هي البوصلة.