حدود التحول الأوروبي

بي دي ان |

20 يونيو 2025 الساعة 09:50ص

الكاتب
رغم الصراع الإيراني الإسرائيلي المحتدم لليوم السابع منذ الجمعة 13 حزيران / يونيو الحالي، واحتلاله الحيز الاوسع في دوائر ومنابر الاعلام الإقليمي والدولي، الا ان زخم التحول الأوروبي الإيجابي تجاه المسألة الفلسطينية، والموقف الرافض للإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا مازال يتطور ولم يتراجع. لا سيما وان مضاعفات الإبادة لم تعد تطاق، أو تحتمل كونها وضعت القادة الأوروبيين عموما في حرج شديد، وتناقض عميق بين المُثل والقيم والقوانين الداعمة لحقوق الانسان وما ترتكبه إسرائيل النازية من جرائم إبادة فاقت المعايير الإنسانية كافة وخاصة ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، فضلا عن التحول النوعي في الرأي العام الأوروبي، الذي أثر تأثيرا كبيرا على مواقف مؤسسات الاتحاد الأوروبي المركزية والعديد من الدول المركزية في الاتحاد بالإضافة لمواقف حكومة العمال البريطانية الإيجابية، التي ربطت بين الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وضرورة وقف الإبادة على الشعب الفلسطيني، وأكدت على أهمية الحل السياسي لقضية الشعب الفلسطيني وتطبيق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
وأمس الأربعاء 18 حزيران / يونيو الحالي، وصفت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ممارسات إسرائيل في قطاع غزة بأنها "إبادة جماعية"، وقالت في جلسة للبرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، أن هدف إسرائيل هو الاستيلاء على قطاع غزة بالكامل، مشددة على ضرورة الضغط على تل ابيب. وعقدت الجلسة بمبادرة من مجموعة اليسار الأوروبي التي تضم 46 نائبا تحت عوان "وقف الإبادة الجماعية في غزة: حان وقت العقوبات الأوروبية". وأضافت كالاس الى ان ممارسات إسرائيل "تجاوزت مجرد الدفاع عن النفس"، مشددة على ان حصار الغذاء والدواء المفروض على الفلسطينيين في غزة "لم يصن إسرائيل"، بل قّوض "عقودا من المبادئ الإنسانية." وتابعت القول "إذا ما تم تهجير جميع أو جزء من السكان المدنيين في غزة بشكل دائم من منازلهم، فسيشكل ذلك انتهاكا للقانون الدولي."
وكان الكاتب والمعلق السياسي إشان ثارور أوضح في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الاحد 8 يونيو الحالي، إن ثمة تحول بارز في موقف الحكومات الأوروبية تجاه إسرائيل، مدفوعا بتصاعد الغضب الدولي إزاء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، والحملة العسكرية الإسرائيلية التي أعقبت السابع من تشرين اول / أكتوبر 2023. وأضاف أن الدوافع الرئيسية لهذا التحول تكمن في الخسائر الفادحة للصراع، حيث قتل أكثر من 54 ألف فلسطيني (جلهم من الأطفال والنساء) والتدمير الواسع النطاق في غزة، والأزمات الإنسانية الحادة التي تفاقمت بسبب القيود الإسرائيلية للحؤول دون وصول المساعدات الإنسانية. وأردف "ألهبت حوادث مميتة وقعت للمدنيين البائسين الفلسطينيين قرب نقاط التوزيع للمساعدات موجة ادانات دولية، وساهمت في طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويؤاف غالانت، وزير الحرب السابق، وهناك دعوات جديدة لإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين أخرين.
وأكد ثارور الى ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يعد شخصية محورية في دفع هذا التحول، فخلال كلمة القاها في سنغافورة، ربط ماكرون صراحة بين الدعم الغربي لإسرائيل، وسياسة الكيل بمكيالين "تضر بمصداقية أوروبا" فيما يتعلق بأوكرانيا. وحذر الكاتب الأميركي من أن التخلي عن غزة ومنح إسرائيل "تصريح مرور مجاني "يفتك بالمصداقية الغربية:" والأوروبية خصوصا. كما وصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الممارسات الإسرائيلية الأخيرة في غزة بأنها "مروعة ولا تحتمل." رغم مقاومته دعوات حظر كامل لبيع الأسلحة لإسرائيل أو الاعتراف الفوري بدولة فلسطينية، الا ان حكومته تدرس فرض عقوبات مقننة على مسؤولين إسرائيليين محددين.
كما حدث تحول نسبي ومحدود في مواقف المانيا تجاه ما يجري من إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، فضلا عن المواقف المتقدمة للعديد من دول أوروبا مثل اسبانيا وبلجيكا والنرويج وسلوفينيا والسويد وغيرها من الدول التي طالبت وصوتت لصالح إعادة نظر في اتفاقية التجارة مع إسرائيل، فضلا عن اعترافها بالدولة الفلسطينية.
جملة هذه المواقف وغيرها شكلت بدايات حقيقة لتحول نسبي، مازال بحاجة الى مراكمة وانتقال دول الاتحاد الأوروبي الى مستويات أرقى وأكثر فعالية من خلال فرض عقوبات على الدولة الإسرائيلية المارقة، لكن ما يحول دون هذا التطور النوعي، وبقائه يراوح في المكان يعود لرفض عدد من الدول المنحازة لإسرائيل مثل المجر وبلغاريا وبولندا ورومانيا الانحياز لصالح القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وتؤثر سلبا على إحداث النقلة النوعية.
مع ذلك علينا ان نرى النصف الممتلئ من الكأس الأوروبي الإيجابي، دون المبالغة بالتحول، رغم تقدم مواقف غالبية مواقف الدول الاوبية، وإن كان المستقبل المنظور بسبب تفاقم الفاجعة والابادة والكارثة قد يسهم في انزياح أكثر إيجابية.
[email protected]
[email protected]