الحرب على غزة: أبعاد جيوسياسية وتداعياتها على الأقليم

بي دي ان |

11 يونيو 2025 الساعة 09:28م

الكاتب
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، شهد المشهد السياسي والإعلامي تحولات دراماتيكية كشفت عن تعقيدات عميقة تتجاوز التصريحات الرسمية والشعارات المعلنة. ففي الوقت الذي نادت فيه جهات عدة بوقف الحرب، وتحرير الأسرى، وإنهاء الحصار، برزت مؤشرات على أن أطراف النزاع تسعى لتحقيق غايات غير معلنة، تندرج ضمن مشاريع سياسية إقليمية ودولية تتجاوز  حدود القضية الفلسطينية ذاتها.

أولاً: التنظيم الدولي العابر للحدود : 
مع تحرك قوافل المناصرين الدوليين، وخاصة أولئك الذين يحملون توجهات سياسية واضحة، لفك الحصار عن غزة، بدأت تتكشف خيوط و أهداف خفية. وقد تكررت هذه الظاهرة سابقًا، لا سيما قبل نحو عقد من الزمن، حيث تبين لاحقًا أن بعض هذه المبادرات كانت جزءًا من استراتيجية سياسية تهدف إلى تكريس الانقسام الفلسطيني، وإرباك المشهد الإقليمي، وتوريط أطراف عربية في معادلات لا تخدم المصالح الفلسطينية، بل ترتبط بأجندات تتعلق بالتنظيمات الدولية العابرة للحدود ومشاريعها الخاصة .

ثانيًا: إعادة إنتاج الصراع في إطار مشروع إقليمي أوسع
تؤكد المعطيات الحالية أننا أمام حلقة جديدة في إدارة ما يمكن وصفه بـ"مسلسل الحرب" على غزة. فالأهداف لم تعد تقتصر على القتل والتهجير أو تصفية القضية الفلسطينية، بل امتدت إلى محاولة إدماج الدول العربية في مشهد عسكري فوضوي، وفرض معادلات جيوسياسية تتناغم مع ما يُعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد". ويبدو أن أطرافًا إقليمية ودولية توظف هذه الحرب كوسيلة لتحقيق تحولات داخلية وخارجية، تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح قوى متصارعة على حساب استقرار الدول الإقليمية.

ثالثًا: وهم إسرائيل الكبرى واستهداف التنمية في الإقليم ،،،
تتلاقى هذه التحركات مع مساعٍ استراتيجية تهدف إلى ترسيخ وهم "إسرائيل الكبرى"، من خلال تغييرات شبيهة بمخرجات الربيع العربي، تضعف القوى الصاعدة في المنطقة، لا سيما تلك التي بدأت تحقق نجاحات في مجال التنمية المستدامة. وعليه، فإن الحرب على غزة تُوظف أيضًا كأداة لإجهاض مسارات التنمية، واستنزاف الموارد، وتكريس الهيمنة الإسرائيلية عبر إدارة الزمن لصالح إطالة أمد الصراع.

رابعًا: تداعيات مباشرة على القضية الفلسطينية
الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة المعقدة. فاستمرار الحرب وما يصاحبها من سياسات عقابية، كقرار وزير المالية الإسرائيلي الأخير بمنع التعامل مع البنوك الفلسطينية، يعكس رغبة واضحة في تقويض البنية الاقتصادية والسياسية للسلطة الفلسطينية. وتُعد هذه التدابير محاولة إضافية لإحباط جهود إعادة إحياء المشروع الوطني الفلسطيني، وإجهاض أي مساعٍ نحو إقامة دولة مستقلة.
خلاصة القول : 
إن إطالة أمد الحرب على غزة، وتوظيفها كأداة سياسية وجيوسياسية، يُنذر بتداعيات خطيرة ليس فقط على مستقبل القضية الفلسطينية، بل على استقرار دول الإقليم ككل. وبينما تمسك إسرائيل بخيوط اللعبة الزمنية، يبقى الخلاص مرهونًا بقدرة الفاعلين الإقليميين والدوليين على إعادة توجيه بوصلة الصراع نحو حلول عادلة وشاملة تحفظ الحقوق الفلسطينية، وتحول دون تفكك النسيج الإقليمي لصالح مشاريع الهيمنة والتقسيم.